|


فهد عافت
على تلّة ما بعد الخمسين!
2019-12-25
- قبل أيام، تابعت حوارًا بين شاعرين شابّين، كان الأول قد نشر قصيدة صوتية، انتقدها الثاني متهكّمًا مستاءً متبرّمًا مستشيطًا!. فما كان من الشاعر الأول صاحب القصيدة إلا أن أعلن قبوله واحترامه لرأي الشاعر الثاني مع تأكيده على اعتزازه بقصيدته!.
- ما فعله الشاعر صاحب القصيدة كان بهيًّا، وكان يمكنه أن يكون أكثر بهاءً فيما لو لم يردّ ولم يعلّق!.
- كلّنا تقريبًا، في شبابنا، وقعنا في مثل هذه الحفرة!.
- ولا يزال عدد كبير من الشعراء والأدباء يلاحقون كل من ينتقد نصًّا لهم!. يفعلون ذلك بغِلْظة مُفرطة!. برهافة ومودّة ورحابة صدر أقل بكثير ممّا جادتْ به أخلاقيات الشاعر الشاب الذي نتحدث عنه!. وأظن أن هذه كارثة في الفهم قبل أن تكون كارثة في الأخلاق!.
- قد يُعذر الأدباء الشباب. السّنّ يسمح ببعض التجاوزات إلى حين!.
- لكنني فيما لو عادت الأيام، لا أظن أنني سأتدخّل من قريب أو من بعيد في ملاحقة أي رأي، ولا في تصحيح أي مفهوم، ينطلق به أي قارئ تجاه قصيدة أو كتابة لي!. كما أنني لن أمسّ أي تجربة في سنّي بأذىً من أي نوع، مهما كنت واثقًا من استحقاقها لذلك!.
- للشعر فيما أظن سنّ معيّنة، هي ما بين السابعة عشرة والخامسة والثلاثين تقريبًا، أو أن هذا ما يبدو لي!. هذه السنوات ليست بالكثيرة، ومن العبث تشتيتها بالاهتمام بنتاج الأصحاب أو غيرهم!.
- أقف الآن على تلّة ما فوق الخمسين بسنوات، ويمكنني رؤية كل ذلك العبث الذي كنا نقوم به!. لقد أهدرنا من الوقت ما لو كنّا استثمرناه بالتنبّه لأنفسنا، وبالاشتغال على منجزنا، لكنّا أفضل بكثير!.
- ليس من حق أي شاعر أو كاتب التصريح بأن نصه فوق مستوى قارئ معيّن أو أعلى من مدارك أي أحد!. فما دام قد نشر، فكل قارئ، أيًا كان مستواه الفكري والذّوقي، يحق له أخذ النص من يديه واللعب معه كيفما شاء!. وكذلك الحكم عليه بما يرى أو يريد!.
- النص الجيّد هو الذي يُقصي ويُقرّب، وليس صاحب النّصّ!. وكما يحكم القارئ على النّصّ، فإنّ النّصّ يحكم على متلقّيه!. كاتب النّص يجب أن يخرج من اللعبة!.
- ما الغموض والمجاز، إلا حواجز وحصون وبوّابات!. والاستعارات حَرَس!.
- النّصّ الجيّد، بكل معطياته، قادر على حماية نفسه!. قادر على طرد المتطفّلين عليه!. قادر على أن يطلب من القارئ بطاقته الفنيّة بطريقته الخاصة!. وأن يتفحّص هذه البطاقة، وبناء عليها يسمح لقارئ بالدخول ويمنع آخر، ويطلب من ثالث تكملة أوراقه الثبوتية!.
- هذه مهمّة العمل الفني، وهي مخبّأة في كل عمل فني فخم وحقيقي!. أبدًا، هي ليست مهمّة صاحب العمل، ولا يقوم بها إلا من كان يشعر بنقص في عمله!.