|


رياض المسلم
حلم الابن.. وواقع الوزير
2020-01-02
أواخر التسعينيات الميلادية، أب يجلس أمام شاشة تلفزيون خشبي، وعبر جهاز الفيديو يتابع فيلم “فيس أوف” بجانبه ابنه الطالب في المرحلة الثانوية، يتحمّس الأب مع طريقة الإخراج، وكيفية تبديل وجهيّ بطليّ الفيلم جون ترافولتا ونيكولاس كيدج، كل لقطة تجذبه ويطلب من ابنه التركيز على الإخراج، الأب مغرم بهذه المهنة.. وقبل أن يوجه ترافولتا ضربته إلى كيدج، يسأل الابن أباه: “وش رأيك أدرس إخراج سينمائي في أمريكا؟”..
يتوقف الأب عن متابعة الفيلم ويلتفت إلى ابنه بعد أن ضرب صحن “الفصفص” وجعله يتناثر في المجلس، ملاحظة: “الفصفص من طقوس متابعة الأفلام سابقًا، الفشار لم يصل بعد”.. الشرار يطير من عينيه ويمسك بعقاله لكنه يتراجع ويقول له: “تبي تفضحنا وتدرس سينما، انسى الموضوع، قدامك ثلاث خيارات إما تكون طبيب أو مهندس أو ضابط”..
اضطر الابن إلى تلبية طلب والده لكن درجاته لم تسعفه، درس تخصص إدارة أعمال.. حلمه وئد قبل أن يرى النور..
موهبة الابن السينمائية لم تجد من يحتضنها في ذلك الوقت، المجتمع كان منغلقًا حيال صناعة الأفلام والتمثيل، فكانت من المحظورات، رغم أنها من أهم الصناعات..
للأسف أن الآباء في ذلك الوقت اختزلوا مسار مستقبل أبنائهم في المهن الثلاثة..
سعدنا كثيرًا بإعلان الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، وزير الثقافة، إطلاق أول برنامج للابتعاث الثقافي في تاريخ المملكة، وهو يتيح فرصًا تعليمية نوعية للطلاب والطالبات السعوديين من خلال دراسة التخصصات الثقافية والفنية في أبرز الجامعات العالمية، في مجالات عدة منها الموسيقى والمسرح وصناعة الأفلام والآداب.
الوزير الذي حوّل الثقافة إلى صناعة.. وسع أفقها.. جعل منها أسلوب حياة.. احتضنها.. يقول في تصريحه حول برنامج الابتعاث التاريخي: “التعليم الركيزة الأساسية التي سيبنى عليها القطاع الثقافي الذي تتطلع له المملكة، ونحظى بالدعم الكبير الذي يجده القطاع الثقافي في المملكة من رعاية ودعم لا محدود من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، والأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، إيماناً بأهمية هذا القطاع في تحسين جودة الحياة، وتمكين المواهب الوطنية وتوفير فرص الحوار وتعزيز تبادل الخبرات مع العالم”..
بعد الإعلان يردني اتصال هاتفي من الابن الطالب، أضحى أبًا ويطلب مني معلومات عن برنامج الابتعاث، سألته السبب، فأجاب: “ابني لديه شغف في خوض تجربة الإخراج السينمائي ولم يكن لي أي تأثير عليه، لكني لاحظت موهبته وسألبي طلبه”.. ما أجمل أن ترتبط الموهبة بالعلم والتطوير..