|


صالح الخليف
صحفي وليس مشجعا
2020-01-03
للصحافة الرياضية مزاياها.. لها أيضًا وجه قاتم السواد كالليل البهيم.. لها إيجابياتها ولها سلبياتها.. مثل كل شيء في هذا العالم..
لكنني أعتقد وأظن وأتوقع وأرى أن أكثر ما يخنق الصحافة الرياضية العربية طغيان الميول والتوجه والتشجيع على الموضوعية والمهنية والحياد.. بالطبع الصحفيون قادمون من ذات البيئة الرياضية التي مهدت لهم الطريق إلى صاحبة الجلالة كما يحب الساكنون في غرب الكرة الأرضية مناداتها، لولا أن ذلك الميلان الواضح الذي ترك الموازين تختل إلى درجة الانهيار الكامل، جعل هذه الصحافة في مرمى التشويه والانتقاد، بحجة أنه لا يفرقها عن عقلية المشجع البسيط سوى مسافة قصيرة لا تكاد ترى بالعين المجردة.. فمن المتهم الرئيس في قضية مثل هذه..؟.. من الذي جعل الناس والمتابعين يتراجعون كثيرًا في احترامهم وتقديرهم للصحافة الرياضية..؟.. أعرف عز المعرفة أن أمراً كهذا لا يمكن أبداً علاجه ومداواته أو حتى وضع اليد على أدنى جراحه بمقال عابر.. أعرف أنها مسألة شائكة ومعقدة وفيها كلام طويل وكثير.. وأعرف أيضاً أن أصابع الاتهام ستتوجه سريعاً لأولئك المرابطين على تخوم البرامج الرياضية الليلية، والذين يظنهم الظانون صحفيين، بينما غالبيتهم مروا على الصحافة والمهنة كما مرت السفن التائهة على سواحل جزيرة موحشة يشقها واد غير ذي زرع.. لا أقول إن الصحفيين أبرياء براءة الذئب من دم يوسف من الحالة الغوغائية التي يقال إنها جزء من مشهد اللعبة التي ملأت الدنيا وأشغلت الناس، وإنما ليس عدلاً ولا إنصافاً تحميلهم كامل المسؤولية.. تشترك ذات المحطات وذات البرامج شراكة تضامنية مفتوحة في هذه المعضلة وهذه التجاوزات وهذا الانفلات.. القول أو الاعتقاد أن الصحافة الرياضية هي فقط متخصصة بتصدير الضجيج وأصوات عالية تفتقد للوعي والتثبت وعرض الحقيقة، هو تجنٍّ وظلم وشهادة باطلة.. البحث عن التعقل يبدو فعلاً مهمة صعبة، وإن حدث سيصبح بضاعة مكلفة وقد لا تجد من يشتريها، ولهذا السبب ذهبت تلك البرامج تلهث وراء نوع من الإثارة المفتعلة لقضايا مستهلكة يجتمع حولها الملتفتون لمصادر الصوت العالي لا أكثر ولا أقل.. يستحيل أن يتخلص الصحفيون والكتاب عن ميولهم.. هذا يخالف طبيعة البشر وطبيعة الأشياء وطبيعة الحياة وطبيعة كرة القدم القائمة أساساً على المناصرة والتشجيع والهوس والجنون باللاعبين والأندية والمنتخبات.. لماذا فقط يتخلى هؤلاء الصحفيون عن الحقيقة.. يبحثون عن حقائق تدعم مواقف أنديتهم ونجومهم وكأنهم يرتدون عباءة المحامي الخطير حديب بن ديرة في مسلسل درب الزلق.. لا يعرف الحق ولا يعرف الحقيقة ولا يعرف المشكلة أو مصدرها.. يعرف فقط الدفاع عن موكله.. إنها الصورة المتكررة منذ عشرات السنين.. فهل من خلاص..؟!
الصحافة مصدر الحقيقة ومصدر التعقل ومصدر الوعي، فمن جعلها بكل هذا التهور وهذا الاتساق مع الزيف والتعايش وراء الخديعة لمجرد الانتصار لهوى النفس.. وإن النفس لأمارة بالسوء..!!
هل نحتاج إلى أن تتوسع الدائرة أكثر بحثاً وراء الأسباب الموجعة التي حولت الصحفيين إلى مشجعين.. أظن نعم.. نعم نحتاج..!!