|


أحمد الحامد⁩
حدوتة عربية
2020-01-03
جمعنا العمل، لم نكن نعرف بعضنا من قبل، شاب عربي في أواخر الثلاثينيات من عمره، شاء حظه أن يولد في زمن من أسوأ أزمنة بلاده.
حكومات متوالية فاشلة، مؤسسات فاسدة وتعليم منهار، وممرضون أصبحوا أطباء وعمال أصبحوا مهندسين،، وحظ الإنسان يرتبط ارتباطاً مباشراً بالمكان والزمن الذي يولد فيه؛ لذلك ذهبت شعوب عربية ضحية حظهم السيئ عندما أصبحوا أجيالاً تقودها قيادات ديكتاتورية أحق بمسمى المجانين من أولئك الأفراد الذين ذهبت عقولهم فصار لا حرج عليهم، حكى لي هذا الصديق العربي عن آلام الغربة، وأنه ترك بلاده مجبراً لا بطل، فمن يختار أن يترك أمه وأبناءه وموطن ولادته إلا إذا كان مجبراً على ذلك، أن يكبر أبناؤك وأنت بعيد عنهم وعن تلك المواقف التي تتطلب وجودك ضريبة كبيرة، هذا قدر الغرباء، حكى الزميل كيف أنه يحلم بوطن آمن يسوده القانون، يكون به مستوى الصحة والتعليم المرتفع بديهيات لا نقاش فيها، يولد الإنسان فيه إلى أن يموت وهو معزز بكرامته، ثم عرج على التجربة الأوروبية واصفاً إياهم بالمجتمعات التي وصلت إلى مرحلة التخلف والحروب والبدع إلى النهوض بالعلم والديمقراطية، حتى أصبحت دولهم تسمى دول العالم الأول، بينما أطلقوا علينا في منتصف القرن التاسع عشر دول العالم الثالث، ثم حكى لي عن بعض الشخصيات العظيمة في بلادة وكيف أن وطنه يزخر بآلاف الطاقات العبقرية الفذة، وأن من سمحت لهم ظروفهم بمغادرة البلد والعيش في بلدان أخرى مستقرة أصبحوا أسماءً ناجحة ولامعة، كما لم يغفل هذا الزميل عن ذكر مقدرات بلده، بداية بخصوبة الأرض ووفرة المياه والنهر العظيم الذي يشق طريقه عبر آلاف الكيلو مترات، بالإضافة إلى ما حوته الأرض من معادن نفيسة، لكن الحكومة كما ذكر فاشلة وفاسدة، وإذا مرض الرأس فسد الجسد، دعوت له أن تصبح بلاده بلاداً ناجحة، ثم تحدثت معه عن العمل الذي يجمعنا، قدم نفسه بأنه رجل مهني، ويعمل في المهنة منذ زمن طويل وخاض التجارب العديدة مع أسماء كبيرة من الشركات، ثم اشتكى من عدم تكافؤ الفرص التي تمنح لمن أقل منه معرفة وخبرة في العمل، اتفقنا أن نبدأ العمل عند الحادية عشرة صباحاً، جاء الموعد ولم يحضر، اتصلت به مدة أربع ساعات، لم يجب على اتصالاتي إلا قبل ربع ساعة من الآن، وتشير الساعة الآن إلى الثالثة والربع، أجاب الاتصال الأخير بصوت مشبع بالخمول الذي يسببه النوم الطويل، سألته: أين أنت؟ أجابني بأنه نام طويلاً.. فقلت له لكنك خلفت موعدنا؟ فقال: النوم سلطان يا أخي.