|


أحمد الحامد⁩
عالم ما تحت الصفر
2020-01-04
يحدث أن تجلس مع رجل ثري يتحدث عن ماضيه وبداياته البسيطة، أو تسمع قصة رجل ناجح بدأ من دون مساعدات عائلية، عادة تسمع تلك الحكايا يرافقها عنوان “من الصفر”، أي أنه الرجل الحكاية أو النموذج بدأ نجاحه من مرحلة الصفر، هذا المقياس “من الصفر”، صار الكثير من الناس يقيسونه كنموذج للانطلاقة العصامية.
وعلى هذا المقياس أصبح لدى العديد من القراء أو المهتمين فكرة أن الصفر رقم يصعب الانطلاق منه، متناسين أن الصفر هو رقم فوق السطح، أو على مستواه، وأن هناك أرقامًا في أسفل السطح.. تحت الصفر أو ناقص واحد أو عشرة أو مئة أو ألف، حيث العد في العالم السفلي، حينها الوصول إلى الصفر يبدو إنجازاً يكاد يفوق ما حققه أصحابنا ذوو البدايات الصفرية، ينصف التاريخ رغم ظلمه المعتاد أولئك الذين بدؤوا من تحت الأصفار وصولاً إلى الصفر ثم إلى الأعداد، كان لي ميونج باك طفلاً تركه والداه في المدينة البعيدة عن العاصمة، في غرفة قذرة مسؤولاً عن شقيقته الصغرى، لا مال ولا طعام ولا شراب، الحلول ليست متعددة، هل يناسب أكل الرز الملقى من مصنع الخمور الذي عصره وصنع المصنع منه خموره؟ وهل هناك خيار آخر؟ لا.. لذلك كان يحضر لي ميونج باك دروسه الصباحية وهو مخمور.. لا بأس.. ففي العالم تحت الصفر يبدو هذا الحال جيداً لأنك وجدت ما تأكله، قاوم جوع المساء.. وصمد أمامه، ساعده تعب جسده ووهنه على الاستسلام للنوم، أن تنام جائعاً أمر جيد.. لأنك استطعت النوم وكسبت صباحاً إضافياً يضاف إلى أيام حياتك، احتاج سنوات طويلة.. حالفه ذكاؤه وصبره حتى وصل قادماً من العالم السفلي إلى حدود الصفر، كان نصراً شخصياً عظيماً أن يصل إلى سطح الأرض ويدخل إلى عالم الفقر، هذا العالم الذي قد تستطيع أن تأكل به وجبتين ولديك أكثر من قطعة ثياب.. لا لوم على لي ميونج إن رأى ذلك رفاهية وهي فعلاً كذلك للقادم من الأسفل، من تحت الصفر بأعداد ناقصة بدأ رحلته حتى وصل إلى رئاسة شركة هونداي العالمية، الشركة التي بنت في معظم أماكن العالم بنايات إسمنتية وكأنها تضع أثراً للإنسان الكوري دليلاً على وصوله إلى هذه البقعة من العالم، ثم وصل طفلنا الصغير الذي كبر إلى وظيفة رئيس كوريا الجنوبية كرئيس قادم من عالم ما تحت الصفر، لا أعلم بما حصل له بعدما استوفى مدة رئاسته، قرأت أن محكمة تقاضيه بتهمة فساد بسبب صفقة تورط بها أخوه مستغلاً سلطة الأخ الرئيس، لم أتابع القضية.. لكنني تابعت ذلك الطريق الوعر الذي بدأ من العالم السفلي وصولاً إلى القمة التي يبدو أنها انحدرت بعد سنوات الفقر والمجد.