|


سعد الدوسري
اعتزال التاريخ
2020-01-05
قد لا نشعر بأهمية من غاب، إلا حينما نستحضر ما قدّم أثناء حياته، خاصةً إذا كان ما قدمه مرتبطاً بشريحة واسعة من المهتمين. ومهما يكن، فإن النفس البشرية ميالة لنسيان الماضي، ولو كان حافلاً بالتميز، إذ أنها تبحث دوماً عن الجديد والمتجدد، على حساب التراث القديم. ويكون من المبهج جداً، أن نشهد أمامنا شباباً يصفقون لذكرى رائد راحل أو غائب في دفة النسيان أو المرض أو الفاقة والعزلة.
لقد سعدتْ الجماهير السعودية، بكافة ميولها، بالحفل الذي نظمته الهيئة العامة للترفيه، بمناسبة اعتزال اللاعب ياسر القحطاني، وذلك لكونه كان منوعاً وخفيفاً وعاطفياً، وخالياً من الرسميات التي تصاحب عادة حفلات الاعتزال. لقد كان أقرب إلى فعاليات موسم الرياض، منه إلى الحفلات التي اعتدناها لتكريم اللاعبين المعتزلين. ولو أن كل الأندية اقتدت بهذا النسق الاحتفالي، لكنا حققنا ترفيهاً حقيقياً للجمهور داخل الملعب وللمشاهدين على محطات التلفزة. وسوف يصير مشروع تكريم الرواد مشروعاً محبباً لدى المنظمين ولدى المتابعين، وربما تتسع القائمة لتشمل عدداً أكبر من اللاعبين المنسيين.
إن ظاهرة التكريم هي من أشد الظواهر حضارية، إذ تربط الجيل السابق بالجيل اللاحق، وتعزز فيهم قيم الوفاء، وتتيح لهم الاستفادة من تراث ريادي مميز. ومن هنا، فإن نسيان أو إهمال بعض الأسماء المهمة، والتي قدّمت منجزات تاريخية، سينعكس سلباً عليها وعلى المسؤولين. وهناك من يقيّم المسؤول، من خلال تكريمه للرموز، فإن لم يفعل، فإن منجزاته الأخرى مجرد بناء لمجده الشخصي ليس إلا! والأمر لا يقتصر على الرياضة والفن فقط، فهناك من قدّم للوطن إضافات نوعية ومرحلية لا تقدّر بثمن، في المجالات الطبية أو الاقتصادية أو الثقافية أو الإعلامية، ولم يحظ بالتكريم اللائق، مما سيطوي تجربته في مجاهل النسيان، وستضيع على الجيل الحاضر فرصة الاستفادة من موروثه الغني.
ما أجمل أن يرى الشاب أمامه نجمين من زمنين مختلفين، زمن يعيشه وزمن عاشه آباؤه وأجداده. لا تتخيلون حجم العلاقة العاطفية بين الشباب وبين تراثهم. وما علينا سوى أن نمزج ذلك التراث بالأسماء التي تواجدتْ فيه، وبالمنجزات التي حققوها. وسنلمس ناتجاً إيجابياً واضحاً عليهم، لأنهم سيعرفون من أصحاب الأدوار المهمة في تطوير واقعهم، تماماً كمعرفتهم أن “ميسي” و”رونالدو” هما امتداد ل “مارادونا” و”روماريو”.