|


تركي السهلي
تذكار البهجة
2020-01-06
الريح قبل أن تهبّ تسبقها علامات قدوم.. والمطر لا يأتي فجأة. الأنهار الجارية لا تُخالف الاتجاه.. والصخور الصلدة لا تدفنها التربة.. النجوم العالية وسط الظلام الدامس تعرف من هي.. واكتمال القمر يسبب حركة المَدّ والجزر.
كُرة القدم عميقة الفهم بسيطة الممارسة لا تُطيع الهواء وتفقد قيمتها حينما تخرج من القوانين ويظنُّ الجميع أنهم يجيدونها، وأن لهم الحق في احتكار معرفتها فتتم ملاحقتها ركضاً من كل فردٍ كما لو أنه الوحيد الذي يلاعبها وتلاعبه، وهي دون أن تتكلّم حدّدت المسافة بين العقل والجسد.
تٌحِبُّ اللعبة الشعبية الأولى في العالم الفرح كثيراً، لذا تمنح المساحة كُلّها للنصر كمعنى. هذه الأيّام أعطت الفريق الأول لنادي النصر السعودي بريقها وكافأته على فهمه لها، وتبادل كل منهما تذكار البهجة. العاصمي العريق يُجِيدُ التعامل مع تفاصيل كرة القدم.. حينما يريد طبعاً. وهي لا تخذله حين يأتي إليها. تماماً كما فعل عبد الرحمن الحلافي مشرف فريق النصر حينما انطلق فرحاً عقب نهاية مباراة بطولة السوبر السعودي أول أمس في جدة بين فريقه وفريق التعاون.. حينها لم يأبه بمن يرقبه.. فقد نادته اللعبة إلى محيطها وجرى نحوها كما لو أن شيئاً قديماً قد عاد.. بريقاً من عينيها منحه الإبصار فكان ضوءاً يعنيه هو لا الآخرين. حينما تشتغل بكرة القدم تُصبح جزءاً منك لا جزءاً منها والحلافي قبل النصر لم يكن سوى مشاهداً للعبة لا نداء منها له. عميقٌ هذا النصر.. يأخذ كرة القدم إلى أن تكون ركناً في حياة الناس. لاحق أصفر الرياض الكُرة طويلاً وهو على الدوام كان ماهراً في ركلها، لكن بعض الأقدام الخشنة لا تحب الركض على العشب. صدق النصر مع ذاته فبرع في التعبير عن مكوّناته.. وضع الصف دون تمييز فتشكّل من كل الطبقات.. مسح كل العبارات القديمة وكتب بقلمه أحرف المرحلة الجديدة دون أن يهمل ما في المخزون من تشكيل. لم يولد النصر سوى مرة واحدة، ومنها قطع كل التضاريس وبقي في جميع ممراته بخطوات سيّد ولا اهتداء له إلاّ من خرائط رافقته في كل أزمنته لم تتركه للحظة ولم يهملها هو ليوم واحد.
لم يُحارب النادي الأصفر شيئاً كما حارب اليأس ولم يبحث يوماً عن العون. كان معتداً بنفسه مؤمناً بأن قوّته لا تتكوّن من سواعد غيره.. هو بعد كل ما يمر به ينظر إلى تلك الجبال التي تحمل أسماء ولا تتشابه.