|


أحمد الحامد⁩
اليوم الذي كبرت فيه
2020-01-11
بالأمس التقيت صدفة مع مجموعة من الشباب برجل فاضل تجاوز التسعين من عمره، حصل خلال مشواره الطويل على العديد من الشهادات العليا، كان حديثه شيقاً وذاكرته متقدة، كان يذكر تفاصيل بعض الحكايات حتى الألوان التي تحيط بمكان الذكرى.
أحد الحاضرين من الشباب طلب نصيحة يوجهها لهم، أشار الشاب بيده نحو زملائه دون أن يشير نحوي قاصداً بأنني لم أعد شاباً، سامحه الله، عندما يبلغ السن الذي أنا فيه سيعلم أن الشباب لا يقتصر على عمر العشرين والثلاثين، فأنا مازلت في العشر الأربعينية، وهذا السن ضمن سن الشباب الخبير الرزين، وليس ضمن الشباب المتسرع الحالم.. قال الرجل بأن أفضل ما يستطيع قوله يتمحور حول سير الإنسان في الطريق، أن يعد خطواته، ثم قال: مد لحافك على قد رجليك.. قال الشاب الذي سأل الشيخ الكبير: ولكننا نحو الشباب.. ثم أشار بيده نحو زملائه مستثنياً الإشارة نحوي للمرة الثانية.. ليست هناك مشكلة ولن أضع عقلي بموازاة عقله، فهذا الشاب مازال غراً في فهم مراحل العمر، ومازال ينقصه الكثير الذي يتعلمه في آداب إدارة الحوار، دعوت الله أن يسامحه، وتمنيت ألا يستثني الإشارة نحوي في المرة القادمة حتى لا أقضي الوقت كله بالدعاء لله أن يسامحه، أعود لتكملة سؤال الشاب الذي وجهه: ولكننا نحن الشباب نحمل الكثير من الطاقة والطموح، فكيف نستطيع أن نعد خطواتنا بصورة صحيحة وغير متسرعة؟ في الحقيقة بدا أن سؤاله جيد، بدأت أخفف من غضبي الكامن تجاهه بعد إعحابي بسؤاله، فرد الرجل الشيخ: أن يكون الشاب واقعياً، أن يعرف إمكانياته الحقيقية، وأن تحقيق شيء ما لا ينجز بمدة قصيرة، بل بالمدة المطلوبة، وهذا يتطلب مثابرة ومتابعة ومعرفة وصبراً يمتد إلى سنوات في بعض الأحيان، ثم ساد الصمت، وما إن بدأت بسؤالي للشيخ المسن حتى قاطعني الشاب قائلاً لي: عفواً عمي على المقاطعة، ولكنني أود طرح سؤال في نفس المحور الذي نتحدث به.. عمك؟ أنا عمك...؟ هكذا أخذني هذا السؤال بعيداً عن كل ما يدور من حديث، بقيت صامتاً لحظات، نظرت خلالها نحو يديّ باحثاً عن أي تجاعيد تشير إلى تقدمي في السن للدرجة التي يقول بها هذا المتسرع عمي!، أثناء عودتي بصحبة صديقي الذي جاء ليأخذني من المكان، صديق قديم لا يكبرني سوى بعامين فقط، أظهر صورة من هاتفه لمولودة حديثة الولادة، قال لي: انظر ما أجمل هذا الملاك الذي رزقنا الله به قبل أيام، دعوت الله أن يحفظها وأن يحفظ أبناءه كلهم، نظر إلي مبتسماً وقال: هذه ليست ابنتي.. هذه حفيدتي.