|


سعد الدوسري
تدريب الجلوف
2020-01-13
يعتبر الكثيرون ممن عايشونا أو يعايشوننا أننا أناساً لا نجيد فنون الذوق في التعامل مع الآخرين، وبالمصطلح الشعبي؛ نحن “جلوف” تعيش على الأرض. وهذه المفردة.
وإن كانت شعبية، إلا أنها من مفردات الفصحى، ومعناها الخبز اليابس الغليظ. بالفعل، نحن كذلك. قد تكون الأجيال الحالية أقل جلافة من الأجيال السابقة، لكنها تظل جلفة بالمقارنة مع الآخرين. وتستطيع أن تكتشف هذا الملمح وتلك السمة في الصباح الباكر. ففي هذا الوقت الذي يُفترض أن تكون الطاقة الإيجابية فيه، أعلى من أي وقت آخر، نجد “نفْس الواحد في رأس خشمه”! تلقي عليه تحية الصباح، فبالكاد يرد عليها، وربما يطالعك باستغراب، وكأنه يقول لك: “خير؟! متى المعرفة”؟! وحين تكون في ازدحام مروري، فإن مقدمات السيارات التي تكاد تخدش سيارتك، هي الغالبة. وإن حاولت أن تنظر في عيون أحدهم، فإنك ستتلقى ما لا يحمد عقباه، مما قد يعكّر عليك لاحقاً صفو إفطارك.
إن النسبة الغالبة منا، لا يقول كلمة “شكراً” لمن يقدم له خدمة، خاصة إذا كان مَنْ يقدمها عامل بسيط. ولهذا الكلمة سحر لن تشعر بها إلا إذا سمعتها من رئيسك في العمل أو من أستاذك في المدرسة أو الجامعة. إمساك الباب لمن هو خلفك، لا يكلفك أكثر من ثانية على الأرجح، لكنه سيجعلك ذا قيمة إنسانية كبيرة لمن سيكون خلفك. تنظيف دورة المياه العامة لمن سيأتي بعدك، سيغمرك بشعور جميل، هو نفس الشعور الذي ستشعره إن وجدت الشخص الذي استخدمها قبلك، قد نظّفها وجففّها لك. وحين تسافر بالطائرة، وتجلس على النافذة، فإنك لن تتمنى شخصاً يجلس إلى جانبك في الممر، يتذمر منك ويتأفف بصوت مسموع وتعابير وجه مكفهرة، كلما أردت الدخول أو الخروج لمقعدك. ولما يسمح لك المتسوق صاحب العربة المليئة بالمشتريات أن تتقدم عليه للمحاسب، لأنك لم تشتر سوى كيس خبز، ستعتبر نفسك محظوظاً بوجود هذا الإنسان المتحضر أمامك.
هناك لمسات لا تكلفك شيئاً، لكنها تغمر الآخرين بسعادة آنية كبيرة، وقد لا نأخذ وقتاً طويلاً في تدريب أنفسنا عليها، إن نحن اقتنعنا بجدواها. هي قيمٌ إيجابية حثَّ عليها الدين، هي مؤشر حضاري وملمح أخلاقي، ستترك في النفس كمية رضا هائلة. جرّب أن تبتسم لعامل النظافة الذي يعمل في ممر عملك، وأن تقول له: “شكراً يا صديقي، أنت تقوم بعمل رائع”.