|


أحمد الحامد⁩
الصناعة وحدها لا تكفي
2020-01-17
تابعت قضية كارلوس غصن في الأيام الأخيرة بعد وصوله إلى لبنان، وشاهدت مؤتمره الصحفي الذي أداره بطريقة توضح أسباب وصوله إلى ما وصل إليه من مكانة إدارية كبيرة.
اليابانيون اتهموا كارلوس غصن بأنه “لعب بالمربح”، وتناسوا أنه وخلال أربع سنوات فقط من تسلمه لقيادة شركة نيسان العام 1999 حوّلها من الديون إلى الأرباح، هذا ما قاله المدافعون وبعض من علقوا على قضيته المشهورة، أما الشركة اليابانية فأخرجت أوراقاً تدعي بها أن غصن بدد أكثر من 300 مليون دولار في غير موضعها، الرجل ما زال متهماً ولم تعلن إدانته، ما أثار تساؤلي ليس الهروب الماكر الذي قام به غصن، فهذا ما ستكشفه الأيام لكل من تثيرهم طرق الهروب العجيبة، لكني تساءلت عن الأسباب التي أودت بخسائر اليابانيين قبل أن يأتي إليها الرجل ذو اللغات الأربعة وينقذها مما كانت عليه، هل تنازل العقل الياباني عن تفوقه لصالح أشباهه الكوريين والصينيين؟ هكذا أراهم فهم يتشابهون في أشكالهم حتى إن رفضوا ذلك، هل استفاد التلاميذ من معلمهم فنافسوه وتفوقوا عليه في بعض المجالات؟
المدرسة الصناعية اليابانية عظيمة، وصار بعضهم يطلق على اليابان بـ”كوكب اليابان” دلالة على تفوقهم الصناعي على كل سكان الأرض، لكن الواقع أيضاً يقول بأن سكان الكوكب الياباني عجزوا عن إنقاذ إحدى كبرى شركاتهم واستعانوا بكائن من سكان كوكب الأرض، كما أن ذلك يشير إلى أن الصناعة الجيدة لا تكفي كي تكون ناجحة، بل تحتاج إلى من يعرف كيف يطورها ويوصلها إلى المستهلكين بطريقة مربحة، وهذه المعرفة عالم آخر قد لا يجيده الصناعي مهما كانت بضاعته.
قيل لشخص ثري اتهموا أحد موظفيه بأن له تجاوزات مالية، فقال لهم: دعوه وشأنه هو من حقق لي الأرباح، وإن كان يأخذ منها شيئاً فهو يلعب بالمربح، تقال هذه القصة عن التجار الحكماء ذوي الحكمة وغير المتسرعين في أحكامهم ولا يستبدلون أوراقهم الرابحة إلا بعد أن يعوضوها بأخرى.
ستبقى قضية كارلوس غصن طويلاً على شاشات التلفزيون وأوراق الصحف، وستبقى قصة هروبه من كل التقنيات اليابانية نحو بلده الأصلي قصة مثيرة تصنع منها الوثائقيات بغض النظر عن نتائج التحقيقات وقرارات المحاكم.