|


سعد الدوسري
جرعة واتس
2020-01-28
نتداول أنا وأنت، عبر تطبيق واتس، معلومات وأخبارًاونصائح لا حصر لها، دون أن نضع في الغالب أي اعتبار لمصداقية ما نتداوله. ولأنك تثق بي، فإنك تعتبر كل ما أبعثه لك مفيداً وصادقاً وصحيحاً، وقد لا يكون كذلك. فأنا مثلك، تصلني الرسائل، فأقوم بإعادة إرسالها لك، في محاولة للترفيه عنك أو إسعادك أو إفادتك. وقد تلاحظ في بعض الأحيان، أن صديقاً أو قريباً يرسل لك اعتذاراً عن المعلومات أو الصور الواردة في رسالة سبق أن أرسلها لك، لأنه اكتشف أو اكتشف أحد غيره، بأنها غير موثوقة أو تتضمن مخالفات شرعية أو علمية.
لقد تحولت رسائل الواتس إلى عبء يومي، يدمنها معظمنا، مع معرفتنا بأنها مضيعة للوقت ومهلكة للفكر ومحرقة للأعصاب. هذا بخلاف التطبيقات الأخرى، وفي مقدمتها تطبيق السناب شات، التي تضيف أعباءً أخرى، نحن في غنى عنها، لولا ما أسميه أنا “الفضول الرقمي” والذي صار المحرك الأساس لعبوديتنا لهذه الوسائل الخاوية من الفائدة، إلا فيما ندر. هذا الفضول يجعلنا في انتظار دائم لمعلومة ما، أو صورة ما، أو مقطع ما، يتناسب مع رغباتنا في تكريس ما نحب أو في التشفي مما نكره؛ أليس هذا هو ما يحدث في الغالب؟! لنكن صادقين مع أنفسنا! ماذا ننتظر من متابعة هذا الحساب أو ذاك، ونحن ندرك مسبقاً أنه فارغ، أو أنه يتناقض مع القيم؟! لماذا إذاً نتابعه بشغف، إن لم تكن رغبتنا هي التشفي من أخطائه والسخرية منه.
إن الحساب البسيط للوقت المهدر في متابعتنا لوسائل التواصل الاجتماعي، لا يعكس حالة الفراغ التي نعيشها، بل يعكس ضعفنا أمام المغريات الاستهلاكية المضرة. نحن عاجزون عن وضع حد لهذا الإدمان، واتخاذ القرار الصحيح في تقنين الوقت الذي نستهلكه لمتابعة هذه الوسائل، والاكتفاء بالمفيد والقيم منها. ومن المؤكد أن معظمنا قد جرّب التخلي عن الهاتف المحمول قصداً أو نسيانه عن غير قصد، فاكتشف أن العالم لم يتوقف، ولم يشعر بنا ولا بهواتفنا وتطبيقاتنا، وكل ما سنجده لاحقاً هو كومة من الرسائل والسنابات المتراكمة التي سيكون مصيرها الحذف في نفايات الهاتف! الفرق هنا، هو شعورنا بالتحرر من قيد الهاتف لفترة، واكتشافنا أنه بإمكاننا التخلي عنه مجدداً، دون إحساس بأننا سنفوت حدثًا كونيًّا.