في فترة التسعينيات الميلادية، وفي مجلس يتسع لأكثر من 50 شخصًا، يدخل قريب لي في الخمسين من عمره يسلّم على الحضور بطريقة مختلفة عن البقية، أسلوبه في إلقاء التحية كان محط سخرية من قبل بعضهم..
المشهد تكرر أمامي أكثر من مرة، يومها كنت في فترة المراهقة، وشابان في أقصى المجلس يهمسان إلى بعضهما، واكتشفت وقتها أن أحدهما يحتاج إلى تنظيف أسنانه لكثرة ضحكهما على الرجل وطريقة سلامه..
القريب المختلف، لا يتبع أسلوب التقبيل المعروف لدينا بـ”السلام الشرقي”، وهو التصاق الخدين وإصدار صوت القبلة وتكون مرة يمينًا واثنتين على الخد الأيسر أو العكس، وهي الطريقة الدارجة بين الكثير من سكان المملكة العربية السعودية ومنطقة الخليج العربي، وأيضًا الدول العربية والعالم..
ذلك الرجل شذ عن تلك القاعدة في طريقة السلام، فأسلوبه يرتكز على الابتعاد بين الخدين مسافة نصف متر على الأقل، وتقبيل الهواء من خلال إصدار الصوت من دون لمس..
طريقته ظلّت محط سخرية على نطاق أوسع في تلك الفترة بين بعض الأقارب، وأتذكر من يحاول تقليده من باب “خفة الدم”، لكني لست ممن كان يضحك يومها وكنت أرغب في سؤال ذلك الرجل الخمسيني عن سبب اتباعه هذا الأسلوب في التحية، ولماذا هو مختلف عن البقية”.. ولكن لم أتمكن حينها، ونسيت الموضوع في مجمله..
سألت من كان يكبرني عن السبب وقتها فرد عليّ: “إذا سلم عليك لا تقرب خدك وبس، والسبب لا تسأل عنه”.. نفذت ما طلب مني ومر السلام بخير.. كان ذلك الرجل يشعر بالحرج من طريقة سلامه، وافتقدته في مناسبات عدة، يبدو أنه كلمة “طائشة” أصابته في “الصميم” أطلقها شخص عليه بعد رفضه أسلوب التقبيل.. وانتهت قصة ذلك الرجل باختفائه..
عندما تقدم بي العمر أصبحت أكثر حذرًا فيما يخص انتقال البكتيريا والفيروسات بين البشر، وخصوصًا المتعلق بالسلام وطريقته..
لست من أنصار طريقة السلام بالتصاق الخدين، فلا أريد أن أكون موطنًا جذابًا لاستقطاب فيروسات الآخرين.. بعضهم كان يستغرب مني الطريقة ويسألني: “أنت موسوس” فأجيبه بـ”لا”، وأسأله على الفور: “هل تقبيل الخدين قانون دولي يمنع خرقه؟!”..
مع ظهور كورونا اختلف أسلوب إلقاء التحية بين البشر، المطالب ارتفعت بعدم التصاق الخدين والتقبيل، وكذلك منع المصافحة تحسبًا لانتقال الفيروس، لم نجد من يتهكم على تلك الدعاوى الاحترازية.. في لحظة مر أمام مخيلتي سلام الرجل الخمسيني..
نعم أحسن ذلك الرجل في طريقة سلامهم المختلفة، فمن سخر منه وقتها هو الآن يتبع أسلوبه.. الوقاية خير من العلاج.. بداية بالسلام..
اللهم أبعد عنا الوباء واحفظنا..
المشهد تكرر أمامي أكثر من مرة، يومها كنت في فترة المراهقة، وشابان في أقصى المجلس يهمسان إلى بعضهما، واكتشفت وقتها أن أحدهما يحتاج إلى تنظيف أسنانه لكثرة ضحكهما على الرجل وطريقة سلامه..
القريب المختلف، لا يتبع أسلوب التقبيل المعروف لدينا بـ”السلام الشرقي”، وهو التصاق الخدين وإصدار صوت القبلة وتكون مرة يمينًا واثنتين على الخد الأيسر أو العكس، وهي الطريقة الدارجة بين الكثير من سكان المملكة العربية السعودية ومنطقة الخليج العربي، وأيضًا الدول العربية والعالم..
ذلك الرجل شذ عن تلك القاعدة في طريقة السلام، فأسلوبه يرتكز على الابتعاد بين الخدين مسافة نصف متر على الأقل، وتقبيل الهواء من خلال إصدار الصوت من دون لمس..
طريقته ظلّت محط سخرية على نطاق أوسع في تلك الفترة بين بعض الأقارب، وأتذكر من يحاول تقليده من باب “خفة الدم”، لكني لست ممن كان يضحك يومها وكنت أرغب في سؤال ذلك الرجل الخمسيني عن سبب اتباعه هذا الأسلوب في التحية، ولماذا هو مختلف عن البقية”.. ولكن لم أتمكن حينها، ونسيت الموضوع في مجمله..
سألت من كان يكبرني عن السبب وقتها فرد عليّ: “إذا سلم عليك لا تقرب خدك وبس، والسبب لا تسأل عنه”.. نفذت ما طلب مني ومر السلام بخير.. كان ذلك الرجل يشعر بالحرج من طريقة سلامه، وافتقدته في مناسبات عدة، يبدو أنه كلمة “طائشة” أصابته في “الصميم” أطلقها شخص عليه بعد رفضه أسلوب التقبيل.. وانتهت قصة ذلك الرجل باختفائه..
عندما تقدم بي العمر أصبحت أكثر حذرًا فيما يخص انتقال البكتيريا والفيروسات بين البشر، وخصوصًا المتعلق بالسلام وطريقته..
لست من أنصار طريقة السلام بالتصاق الخدين، فلا أريد أن أكون موطنًا جذابًا لاستقطاب فيروسات الآخرين.. بعضهم كان يستغرب مني الطريقة ويسألني: “أنت موسوس” فأجيبه بـ”لا”، وأسأله على الفور: “هل تقبيل الخدين قانون دولي يمنع خرقه؟!”..
مع ظهور كورونا اختلف أسلوب إلقاء التحية بين البشر، المطالب ارتفعت بعدم التصاق الخدين والتقبيل، وكذلك منع المصافحة تحسبًا لانتقال الفيروس، لم نجد من يتهكم على تلك الدعاوى الاحترازية.. في لحظة مر أمام مخيلتي سلام الرجل الخمسيني..
نعم أحسن ذلك الرجل في طريقة سلامهم المختلفة، فمن سخر منه وقتها هو الآن يتبع أسلوبه.. الوقاية خير من العلاج.. بداية بالسلام..
اللهم أبعد عنا الوباء واحفظنا..