|


فهد عافت
كل أمر الله خير!
2020-03-18
-قبل وقوع أي كرب، قبل حلول كارثة ما، والتّبيان الفعلي لأثرها المدمّر، يكون العالَم في سلام، وتكون لذلك السّلام سلبيّاته!. من قال إن السلام لا يقتل أيضًا؟!.
-واحدة من أفدح سلبيّات السلام، وأكثرها عرقلةً للتقدّم البشري، تكمن في أن الناس لا يكونون بحاجة لمناقشة أفكارهم السابقة، الموروثة، أو التي تمّ تلقينهم إياها صغارًا، فحسبوها كبارًا: الحق كلّه!.
-وبشكل خاص، فإن الذين تكوّنت لديهم آراء دينيّة، يتصرّفون وكأن آراءهم في الدّين هي الدّين نفسه!. ليس فيهم من يشعر بحاجة لمراجعة اللحظة ولا المناخ ولا العقليّة المُلَقِّنة ولا أي شيء آخر، ممّا أنتج الرأي الذي يعتقده الآن!. إنه رأي قاطع، وفهم نهائي، وعقيدة خالصة!. وأقصى ما يمكن فعله هو نشر هذا المعتقد الخاص ليعمّ أكثر!. والدفاع عنه بكل ما أوتي من بلاغة ومحسّنات بديعية، وغيرها من حِيَل لغوية أو اقتباسات مُسانِدَة من كتب التراث!.
-هذا الشكل الخاص من الإقصاء، ينطبق أيضًا، وبشكل لا يقل درجة، على من لا يؤمن بدين، ويدافع عن الإلحاد بكلمات لها من الثقافة رنين الكليشيهات المُبتذل!. وكلّما كان صاحب هذا الفكر الإلحادي شابًّا صغير السّنّ، كانت دفاعه عن آرائه منبريًّا، ويا ويلنا ويا سواد ليلنا، إن كان صاحب هذا الفكر طامحًا إلى القُرْب من نجوم ثقافة يغمزون له بما يصدح به!.
-في أوقات السّلام، وبالذات السّلام الصّحّي!. لا يمكن مناقشة أحد هذين النوعين من الناس، ولا محاورته!. ولسوف يستمر صراع الدّيَكَة هذا إلى ما لا نهاية!. اللهم إلا إذا حلّت كارثة، ووقع كرب!.
-حدوث الكارثة الفعلي، وليس مجرّد الوعيد بها للتخويف أو التذكير بها للعِظَة!. وقوعها الفعلي، في الحاضر الذي نعيشه، وفي غياب إمكانية معرفة متى الانحسار، والتوقّف!. في غياب الدّواء!. في كل هذا، يكمن خير كثير!.
-في مثل هذا الحضور الراعب حقًّا للوباء، وفي فقدان الإنسان للحيل الناجعة، حيث لا شيء سوى انتظار ما سيحدث!. يتحرّك الفكر الإنساني، ويشتغل العقل الخامل!. تتلاقح الأفكار، وتتجدّد الرؤى بتعدّد الاحتمالات!.
-ساعتها، يعرف الذي يظنّ أن بول البعير، أو العسل، أو التمر، أو الحجامة، أدوية دينيّة في صيدليّة إلهيّة ضامنة للشفاء من كل مرض، أن ظنونه تلك غير صحيحة!. على الأقل سيتحرّك فكره ليقول إن ظنونه تلك ليست صحيحة أو لا تنطبق على كل علّة بالضرورة!. وبالتالي فإنها ليست من الدين بالضرورة!. وأنه إنما كان يُكفّر، أو يكاد، من لا يقولون قوله فيها، لقصورٍ في فهمه، وأن فهمه للدّين لم يكن هو الدين نفسه!.
-وعلى الطرف الآخر، فإن ما يحدث غالبًا، وربما دائمًا ولو في السر: لجوء من لا يؤمن بوجود إله خالق مدبّر، إلى الدّعاء!. نعم، قد لا يكتفي به، لكنه وفي لحظة الضعف النهائي يلجأ داعيًا!. يفعل ذلك حتى، ومهما، كان صادقًا في قناعاته السابقة!. فجأة يكتشف أن كثيرًا من القناعات ليست سوى أقنعة!. وأن الدفاع المستميت، النهائي والأبدي، عن أي قناعة لا يزيدها إلا تشويشًا، قد يصل بها إلى الزّيف حتى وإن كان جذرها منطقيًّا وأصلها علميًّا وعقلانيًّا!.
-طَرَف يعرف أنه لا بدّ من احترام الطبيعة وقوانينها الماديّة، وهو ما كان يرفضه أو يتعالى عليه!. وطَرَف يعرف أن هذه الطبيعة بقوانينها قابلة للعطل والعطب، وأن هناك من هو فوق هذه الطبيعة، وفوق نواميسها، يُصرّف الأمر، وأنه لا بدّ من اللجوء إليه: “قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ۖ”!.
-وفي الأدب، ليس مثل رواية “آنا كارينينا” عمل، في كل ما قرأت، حرث في هذا المعنى وسبر أغواره!. تولستوي هذا نعمة من الله، مثله مثل الخير الظاهر، والشر الذي هو خير مُضمَر!.