|


تركي السهلي
السابعة مساء
2020-03-24
كان الأجداد الأوائل ينهون يومهم قبل الليل، وكان الشخص الذي يخرج في العتمة غريب أطوار ومثار ريبة. كانت المنازل هي احتضان كل شيء حينما تذهب الشمس نحو المغيب. كان الجميع يتحلّق حول الضوء والبيوت تعج برائحة الأمهات وقصص النهار. كان الاتصال بالخارج يتوقف كليّاً حينما يحلُّ الظلام. العائلة دوماً صديقة الزمن وروايته المحكيّة وأغنيته الصادح بها. البشر مهما كبروا يصغرون أمام ما يجهلون. الإنسان يعود إلى طبيعته حينما يتخلّى عن فوضى الذات وأنانيّة العالم.
بالأمس، أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز أمراً بمنع التجوّل في البلاد من السابعة مساءً حتى السادسة صباحاً ولمدة واحد وعشرين يوماً حفاظاً على صحة كل مواطن ومقيم على أرض المملكة العربية السعودية واحترازاً من تفشّي مرض “كورونا” بين الناس. وهو أمرٌ ملكيٌ كريمٌ عظيمٌ وصائب. كُلّنا نمتثل لأوامر الملك ونحب أن نعيش بأبدان سليمة.
نعودُ إلى اللّيل وإلى عقرب السابعة منه وكيف لنا أن نبقى حول ذواتنا دون أن نفقد صبرنا ورحلتنا نحو المواجهة مع العدو غير المرئي وغير المتكلّم الذي لا يملك عقلاً ولا أعيناً ولا أيادي ولا أرجلاً ولا قلباً ينبض للحياة. أن معركتنا الكبرى ستكون طوال اليوم لا جزءًا منه وإن كان سلاحنا يصبح أقوى وقت ظهور النجوم. علينا أن نفكر لا أن نتسلّى. لقد لهونا كثيراً وحانت لحظة العمل. حين يحلّ السكون تنهض العقول وحين يحدث الضجيج نحتاج إلى الهدوء. يوميات الإنسان معادلة لا يبنيها بمفرده.
اليوم، لدينا كل وسائل التواصل من بيوتنا لكن المتطلّبات تتجاوز شطيرة اللحم وعلبة مشروب غازي ورفاهية مقام. أظن أننا غرقنا في ممارسات الدُنيا ولم ننتبه إلى أننا يجب أن نعطي الأوقات من ممارساتنا. ما أصعب ألاّ تخاف وألاّ تعلم في ذات الوقت. ما أدهش أن تكتشف أن المرارة باتت أطيب من كل قطع الحلوى وأنك تستطيع أن تركل من ذهنك كل جرار العسل وأحلام النهار. طبعاً كل ذلك يحدث عند حلول الظلام مع عدم التجوّل بقدمك لا بعقلك حينما تبدأ الساعة بالزحف نحو منتصف الليل ثم إلى خيوط الفجر ثم إلى أن يكون النهار جرس تنبيه، حينما تتأكد أن الصباح لا يأتي بعد الليل بل قبله. لا حدود للسابعة مساءً إذاً، وليس لها جدران ولا بقاء للضعف لدى الإنسان وهو يُحارب بعقلٍ لا تحكمه أربع وعشرون ساعة.