|


تركي السهلي
خمائر الخبز
2020-04-11
يصحو باكراً مع بداية دخول الساعة إلى السادسة صباحاً. كُل ما يريد فعله في هذا الوقت المُبكّر من اليوم هو أن يفوز بالخبز الساخن من الفرن لإطعام صغاره.
يتفقد جيوب ثوبه الثلاث فيجد مجموعة ريالات متفرقة فيقرر شراء عدد عشر بيضات بالكاد تكفي لوجبة إفطار. يقولون له إن الحركة مقيّدة وإن عليه أن يلزم منزله كي لا يُصاب بفيروس كورونا فينقله لأسرته المُنتظرة إيّاه، فيقول لهم: أنا معزول قبل حتى أن يتحدث الناس عن تحديد أوقات الخروج والدخول. زاد وقال لهم: أنا في حال دائم من البحث عن خمائر الخبز وفي صراع وجودي مع الحياة منذ أن أصبح لدي أصوات تئن آخر الليل. طرحوا عليه حلولاً وتدابير لوصول الطعام إلى بيته في أي وقت يريد. أبلغوه أن الهاتف الجوال الذكي يحمل العديد من التطبيقات التي تُسهّل عليه حياته وأن ما عليه سوى أن يحدد الطلب الذي يريد فيصبح كل شيء أمام بيته.. حتى الرغيف الساخن. سألهم هنا: هل يتفقد الهاتف ما في جيبي.. هل يتجاوز ذلك أم علي أن أُخبره أنني لا أملك سوى بضع ريالات؟ قالوا له لا داعي لذلك كله ما عليك فعله في هذه الحالة أن تُخرج بطاقتك البنكية والهاتف سيتولى عملية الشراء. هو لا يتعامل مع المصرف وبطاقته إلا مرة واحدة في الشهر يذهب إلى الماكينة ويُفرغ ما فيها من حسابه غير المتجاوز ألفًا. آه لو كان الرصيد الحقيقي مضروبًا في ألف لأمكنه الشراء وهو لا يبرح مكانه والسفر من جلوسه والرقص مع الحسناوات من سطح بيته وقت هطول المطر. هو لا يصعد إلى الأعلى من منزله إلا كي يشتم رائحة الشواء المنتشرة من منازل الحي والنظر إلى النجوم البعيدة.. البعيدة جداً.. الأبعد من تطبيق. يتابع أخبار الناجين من الفيروس المستجد عبر شاشة التلفاز وكل ما زاد العدد التهم بيضة وصعد إلى السطح واستنشق رائحة اللحم المشوي. هو لا يشعر بالضجر نتيجة التباعد الاجتماعي.. لا على الإطلاق. ما يجعله يشعر بالملل منذ مارس 2020م حتى منتصف إبريل هو أنه كان يظن أن هذا السنة ستكون سنة التغيير بالنسبة له كان على يقين أن الأمل سيزيد من فسحة العيش. كان سطح منزله الشعبي مستودع الأحلام والآمال العريضة والآن فضاءً للأدخنة الناتجة عن الاحتراق. يُقلّب هاتفه بين يديه قبل أن ينام فتصدر رسالة. الزم خبزك.