|


محمد فراج
زوبعة.. ليست في فنجان
2020-04-13
على مر الأعوام والسنين، تناوبت على الأرض بعض الأزمات يذكرها معظمنا على أغلب الظن، وقد سيطرت بجبروتها على مفاصل حياة الإنسان، وخلّفت حالة كبيرة من عدم الاتزان بين الناس.. لكنها كانت تحتضن أماكن بعينها..
إلا أن جائحة كورونا كارثةٌ غير مسبوقة.. أثرًا وانتشارًا.. فعندما تنام العواصم الساهرة، وتصوم الشوارع والميادين المزدحمة، وتُترَك الأمور المشروعة والحقوق الطبيعة طواعيةً والتزامًا.. فالخطب جلل..
عندما يناشد القادة والحكام شعوبهم بالتزام بيوتهم، ويراقبون هذا السكون عن كثب.. ويدخل الاقتصاد الأعظم عالميًّا دوامة الفشل، وتتقطع أوصال المدن وثيقة العلاقة والتبادل التجاري، وتسجن البضائع والشحنات الجبارة فوق أسطح السفن وعابرات المحيط.. فالأمر خطير..
عندما يتسلل العجز التام إلى العباقرة من العلماء.. ويسكن الخوف رؤوس أعاظم الدول قوةً وجيوشًا.. ويتملك الهلعُ الشعوبَ المتقدمة وما دونها.. فعندها يكون قد ألمَّ بالأرض بلاءٌ مفترس.. امتحان مفاجئ من نوع فريد.. لم يُكتب في قراطيس ورقية.. ولم يُخطُّ على الحواسيب.. أو يُدوَّن بواسطة لجانٍ وفرق.. هو اختبار عالميّ.. لم يتمكن أحدٌ من فك شفرته أو التنبؤ بساعة الصفر له.. لذا نجح فيه قلة يسيرة.. وأخفق كثيرون بشكلٍ لم يُتوقع..
أهل الأرض من هول الصدمة في شكّ.. والعقل والمنطق يستجديان الفهم.. زوبعةٌ لا تُرَى.. تطاير شررها فسجد الكون.. المظاهر والأعراض ربما تكون متشابهة.. أما التداعيات والنتائج فهي خارقة للعادة.. ومن جملة هذه الخوارق.. اتفاق العالم لأول مرة على شيء واحد.. وهو خطورة ما يجري.. وإنَّ أعجبَ ما في هذا الإجماع (اللافت حدوثه) أن يكون على فيروس.. أليس الأمر غريبًا.. لكنْ لمَ الغرابة.. والمثل يقول: (يوضع سره في أضعف خلقه).. وهو ما كان بالفعل..
مشهد لم يُصَوَّر ولم يُتَصَوّر من قبل.. لم تناقش فيه الدراسات والعلوم في الجامعات.. ولم يأخذ حقه في البحث والتقصّي.. لكن حتمًا أن في كل مُلمَّة جوانب رحمة.. المرء لم يتنبه إلى أن أصعب الأدواء عجزت أن تحدث هذا الزلزال.. خُيِّل إليه من سحره أنه قد جمع أسباب القوة والحصانة.. فلم يعبأ بما قصر عنه علمه.. وتوارت عنه بصيرته.. ولم يدركه إيمانه..
أما الآن.. فلا مجال للاستهانة بهذا الكائن.. أو الاطمئنان إليه.. لا مكان للسلبية ولا سبيل إلى المكابرة.. علينا إيثار المصلحة العامة.. وتقدير الواقع على قدر حجمه.. لا بد أن نكون جزءًا إيجابيًّا من الحل.. ونصبح أعوانًا وداعمين.. ونأبى أن نُمسِيَ عالة.. فالمسؤولية لا تتجزأ.. فهي وليدة الرجولة.. وشقيقة المبادئ.. وقرينة الضمير..!!