|


أحمد الحامد⁩
تركة التقوى
2020-04-18
في هذه العزلة يمر الماضي أمامي كما لو أنني أنظر إلى شاشة قناة تلفزيونية تعرض شريطاً عن حياتي، قيل إن الندم لا ينفع، لكن ذلك لا يعني أن الإنسان يجب ألا يندم، الندم جزء من الاعتراف بالخطأ، والاعتراف بالخطأ بصيرة وأول خطوة على الطريق الصحيح، أظن بأنني وضعت عدة خطوات على هذا الطريق..
هذا ما أظنه، المشكلة أن كل المخطئين يظنون أنهم على صواب وأن خطواتهم على الدرب الصحيح كما أظن أنا الآن، قبل حوالي 13 عامًا كنت قلقًا من المستقبل وفكرت في تأمين حياتي وحياة أبنائي بالمال من خلال العمل بكل ما أوتيت من قوة، المهم أني عملت عدة أعمال في وقت واحد، معظم هذه الأعمال لا دراية عندي أو خبرة فيها، ولأن الأمر كان كذلك أستطيع القول بأنني فشلت بها جميعها، لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، ولأن للفشل توابع فقد اكتشفت بأن ما أعطيته الوقت والمال وفشلت فيه جاء على حساب ما كنت أجيده لأنني أهملته، وكنت سأفقده هو أيضًا، شيء آخر قد يكون هو الدرس الأهم الذي تعلمته، أن الإنسان إن كان في صحة جيدة ولديه عمله الذي يعتاش منه عليه أن ينتبه للخير الذي هو فيه، وأنه يمتلك الفرصة الكبيرة للاستمتاع بالحياة التي قد لا يمتلكها أكبر ثري على الأرض، مما تعلمته أيضًا أن الإنسان غالبًا هو من يصنع الصعوبات لنفسه، وهو بنفسه من يصنع ويشكل حظه السيئ لسوء تفكيره وقصر نظره، لا علاقة بذلك في مستوى التعليم أو الحالة الاجتماعية، هي مهارة حسن التدبير والتواجد داخل عالم الطمأنينة، قبل أيام قرأت عن ما قاله أبو الحسن مقاتل بن سليمان عن ما دار بينه وبين أبي جعفر المنصور، يقول بأنه دخل على أبي جعفر المنصور فقال أبو جعفر عظني يا مقاتل، فقال مقاتل: أعظك بما رأيت أو بما سمعت؟ فقال أبو جعفر: بما رأيت، قال: يا أمير المؤمنين إن الخليفة عمر بن عبد العزيز أنجب أحد عشر ولدًا، وترك ثمانية عشر دينارًا، كفن بخمسة دنانير، واشترى له قبرًا بأربعة دنانير ووزع الباقي على أبنائه، والخليفة الأموي هشام بن عبد الملك أنجب أحد عشر ولدًا، وكان نصيب كل ولد من التركة ألف ألف دينار، والله يا أمير المؤمنين لقد رأيت في يوم واحد أحد أبناء عمر بن عبد العزيز يتصدق بمئة فرس للجهاد في سبيل الله، وأحد أبناء هشام يتسول في الأسواق، وقد سأل الناس عمر بن عبد العزيز وهو على فراش الموت: ماذا تركت لأبنائك؟ فقال: تركت لهم تقوى الله، فإن كانوا صالحين فالله تعالى يتولى الصالحين.