|


أحمد الحامد⁩
قلق المبدع
2020-04-19
كتب إبراهيم آل سنان من تجربته لغاية الآن في العمل في دور النشر أن الذين كانوا قلقين من مستوى محتوى كتبهم قبل نشرها هم من حققوا النجاح بعد النشر، أما أولئك الذين كانوا يعتقدون بأن محتوى كتبهم رائع غالبًا لم تحقق مؤلفاتهم النجاح الذي كانوا ينتظرونه، هذا أيضًا ما أكدت عليه دراسة حديثة قالت إن القلق ملتصق بالمبدعين بصورة عامة، قلق من مستوى ما يقومون به، شعورهم المستمر بعدم الرضا، وأن هناك ما هو أفضل لم يصلوا إليه.
الحقيقة أن لهذا القلق خطورة من جانب آخر، وهي عندما لا يقوم المبدع بإظهار أعماله نهائيًا بسبب القلق والخوف من الفشل، وهذا قد يكون ما شعر به وحصل مع أحد أعظم الشعراء الإنجليز، لم يكن صاحبنا سوى راهب قضى أعوام حياته في كنيسته، لكنه كان يكتب الشعر، ولأنه كان يكتبه بصورة مختلفة عن ما كان سائدًا ظن بأن ما يكتبه لا يستحق النشر، ثم أنه تفضّل عندما أطلع صديقه روبرت بريدجز أحد شعراء البلاط الملكي وأعطاه نسخًا من ما كان يكتبه طالبًا منه الاطلاع عليها مع عدم نشرها، بعد رحيل هذا الراهب بثلاثين عامًا قام روبرت بريدجز بنشر قصائد صديقه الراهب، أُعجب القراء آنذاك بقصائد الراهب وبأسلوبه الجديد كما لم يعحبوا بأي شاعر في ذلك الزمن، كان أسلوبًا جديدًا جعل من هذا الراهب من أعظم شعراء إنجلترا، بقي أن أقول بأن شاعرنا هذا هو جيرارد هوبكنز الذي لم ينشر قصيدة واحدة في حياته كما ذكر، كان قلق هوبكنز كبيرًا وبحجم موهبته التي لم يكن مدركًا لها، المؤسف أنه لم يتأكد من حقيقة موهبته بسبب ارتفاع قلقه، فحرم نفسه من العيش كواحد من أعظم الشعراء وهي الصفة التي حصل عليها بعد رحيله.
قد تشجع الدراسة التي ذكرتها وقصة هوبكنز بعض القراء على الإقدام لإظهار أعمالهم سواء في الكتابة أو في أي مجال آخر، ولا أشك أن أحدكم لديه ما كان لدى هوبكنز، أو لدى أحدكم في مجالات أخرى ما يضاهي الأسماء المعروفة في مجالاتها، في تاريخ المبدعين دائمًا هناك مواقف شجاعة وهي التي لم يتخذها كل أولئك الذين حرموا أنفسهم من إظهار مواهبهم، إظهار الشجاعة من متطلبات الحياة وكل الذين لم يتحلوا بها خذلوا أنفسهم وخذلوا كل ما لديهم من إبداع، الشجاعة صفة ضرورية في حياة كل إنسان حتى أولئك الذين حاولوا ولم ينجحوا، يكفي أنهم حصلوا على شرف محاولاتهم وأظهروا بها شجاعتهم.