|


طلال الحمود
أم هارون وأبو العبد
2020-05-03
استأثر المسلسل الخليجي “أم هارون” بالنصيب الأكبر من اهتمام المشاهدين منذ عرض الحلقة الأولى على شاشة mbc ومعه تحول فريق من الناس إلى مهاجمة حياة الفهد والقناة المنتجة، قبل أن يدخل على الخط هواة الصيد في الماء العكر، ويتبنون فكرة مقاومة التطبيع انطلاقاً من هذا المسلسل نحو تحرير كامل التراب الفلسطيني.
اللافت في الأمر أن الانتقادات الموجهة لـ”أم هارون” تبرهن على عدم متابعة أكثر المنتقدين للقصة ولو على سبيل الاطلاع، لدرجة أن أغلب الملاحظات تتحدث عن تفاصيل لا وجود لها في أحداث المسلسل، ومنها الدعوة إلى التطبيع مع إسرائيل، وتحسين صورة اليهود، ومساندة الاحتلال “الصهيوني” وغيرها.
هناك أخطاء ارتكبها فريق العمل في المسلسل، لكنها تأتي في سياق التطرف والكراهية المفرطة ضد اليهود، وعلى حساب الأمانة التاريخية، ربما لإرضاء الغوغاء أو لاتقاء شرهم، إذ يؤخذ على الكاتبين شيطنة الشخصيات اليهودية بطريقة تحمل مبالغة لا يحتملها التعايش المفترض في القصة، ومنها الغش ببيع الخمور للمسلمين بدلاً عن اللبن، وتقديم لحوم المواشي الميتة للجيران، فضلاً عن إلصاق تهمة السحر والشعوذة باليهود، بل حتى الجانب الإيجابي المتمثل في شخصية “أم هارون” أرجعه المؤلفان إلى أنها غيرت ديانتها إلى الإسلام.
خلال الثمانينيات قامت منى واصف بأداء دور المحامية الإسرائيلية “فيليتسيا لانغر” في مسلسل “بأم عيني”، وأسبغ المخرج حينها على الشخصية اليهودية من السكينة والرحمة وصفات النبل، ما لم تنله “أم هارون”، وسط إشادة عربية من الخليج إلى المحيط، برغم أن القصة في مجملها تظهر إنسانية اليهود، والوجه الحسن للنظام القضائي في إسرائيل، ومع هذا لم تتعرض منى واصف لشيء من الهجوم الذي نالته حياة الفهد مع مخرج المسلسل محمد العدل الذي أخرج “حارة اليهود” سابقاً قبل إخراج “أم هارون”، لكنها ازدواجية المعايير.
اشتهر اليهود عموماً بصفات كثيرة تتفق المجتمعات على بعضها، ومنها ما تضمنته الوقائع التاريخية وروايات الأدب العالمي، عن اليهودي “التاجر، البخيل، الجبان، الذكي، والعنصري”، وهي صفات يستخدمها العرب أحياناً لنعت بعض أبناء مجتمعهم حين تسيطر فئة عرفت بالبخل على التجارة، ولعل النكت والطرائف التي يرويها الفلسطينيون عن شخصية “أبو العبد” الأسطورية، وتندره على بعض أبناء جلدته من البخلاء، دليل على أن الطبيعة البشرية تحتمل اكتساب صفات غير حميدة بعيداً عن العرق والدين، ولو كان كل اليهود بالصورة التي ظهروا عليها في مسلسل “أم هارون” لتمت إبادتهم وقضي عليهم منذ قرون.