|


أحمد الحامد⁩
جرد حساب
2020-05-20
أكثر ما يستفيد منه المساجين أنهم قد يجدون مساحة يخلون فيها بأنفسهم، يعيدون حساباتهم مرات ومرات ويستذكرون ماضي أيامهم وكل ما أوصلهم لما هم فيه من حالة سلبتهم حريتهم، المساجين الذين فعلوا وأعادوا حساباتهم خرجوا من عنابرهم وزنازينهم بنتائج جديدة وتفكير مختلف.
لذلك نرى بعض من خرجوا من سجونهم صاروا أفضل بكثير، اليوم يفرض علينا واقع الحجر حالة وإن اختلفت مع حالة المساجين إلا أنها أعطتنا الوقت الكافي الذي نستطيع فيه التفكير ونعيد حسابات العديد من العادات والأفكار النمطية التي عشناها طوال سنوات حياتنا قبل أن يفرض علينا الفيروس هذا المنع، اليوم لدينا فرصة لننظر للحياة ولشركائنا فيها دون ضغوطات العمل التي تتجاوز الثماني ساعات، ودون أن نتأثر في دعايات الشركات وحملاتها التجارية التي صورت لنا أن امتلاكنا لما هو فوق طاقتنا أمر مشروع لنا بزيادة ساعات العمل والابتعاد “المؤقت الطويل” عن قضاء أوقات كافية مع أسرتنا وأقاربنا، اليوم لدينا الوقت الكافي لننظر إلى ما فعلناه بأرضنا من تلوث بيئي بسبب اعتدائنا على الحيوانات لمجرد شعورنا بالمتعة حين نصطادها، حتى انقرض بعضها وابتعد من تبقى منها بعيدًا، لذلك لجأنا إلى اصطياد ما اصطدناه منها ووضعناه في غرف إسمنتية وشبابيك حديدية أسميناها حدائق الحيوان، من سمح لنا في سلبها حرياتها وتخريب هذا التنوع البيئي الذي ستحتاجه الأجيال القادمة؟ كيف لم نهتم بكل هذه الطيور والأسماك التي تموت في البحار بسبب نفاياتنا في البر والبحر رغم أنها تشاركنا الحياة ومن ضمن أطعمتنا التي يجب الحفاظ على تكاثرها حتى تبقى؟ ما قبل كورونا فعلًا يجب ألا يشبه ما بعد كورونا، ألا نكرر أخطاءنا في أسلوب حياتنا الذي ملأناه بالضغوطات التي صنعناها لأنفسنا، ألا نصدق كل من يصفون السعادة بالامتلاك والحصول، ألا يكون حصر نجاح الإنسان بحجم شركته أو عدد جمهوره ورصيده في البنك أو حجم مساحة بيته، ألا نعود مرة أخرى للندم بعد موت قريب أو صديق كنا قد ابتعدنا عنه بسبب انشغالنا الزائد بالعمل، أن نحصل على الوقت الكافي للنظر إلى جمال الطبيعة وتنوع سكانها، أن نتعرف بسلام على آلاف الطيور والتمعن في جمالها، أن نستقبل مرورها عبر أراضينا في مواسم هجرتها استقبال الكرام والمحبين، معظمنا مشتاق لعودة الحياة إلى ما قبل كورونا، لكن العودة يجب أن تكون لصناعة واقع أفضل، فنحن نستحق أن نعيش حياة أكثر طمأنينة وبعيدًا عن الأخطاء التي يصنعها الإنسان بنفسه لنفسه، في هذا الحجر نستطيع أن نفكر بهدوء وأن نرى بوضوح ما حرمنا من قضاء أوقات سعيدة حتى نستغني عنه، ونخرج للحياة من أجل أسلوب حياة أجمل.