|


تركي السهلي
براعة الألمان
2020-06-06
في ألمانيا العمل ينتج من العقل دائماً ثم تأتي السواعد. وفي كُرة القدم هُناك لا مجال لترك الأمور وفق ما تريد المستديرة، بل يجب أن تمُرّ على معادلات عقلية شديدة التسلسل إلى أن تكتمل حالة الإبداع. ويقف الألماني الآن على أرضية شديدة الاتساع من حيث تطوّر اللعب وجمالية ممارسته.
والتقرير الذي نشر قبل أيّام في “الرياضية” حول المواهب الألمانية وتقدّمها على المستوى الأوروبي صحيح ويُعطي مؤشرًا على أن المنهج الدقيق لا بد أن يُثمر. ولمعرفة كيف خرجت تلك الجواهر إلى مرحلة التأثير الفني علينا أن نعرف كيف تسير الأمور هناك حتى وصلت إلى مرحلة تقديم الموهبة.
يُعد الدوري الألماني الآن الأول على مستوى العالم من حيث “التكتيك” والمدربون الألمان هًم غالباً الأكثر تفكيراً تقدمياً وإبداعاً من بين نظرائهم في أرجاء المعمورة، ويؤخذ “يورغن كلوب” نموذجاً للجيل الجديد في ذلك. وأصبح لدى المدرب الألماني الحديث طريقة لعب هي الأعلى إيقاعاً والأكثر هجوماً مثل “ناغلسمان” و”ماركو روزه”.
ويرى الكاتب الرياضي الكبير “جوناثن ويلسن” مؤلف كتاب “تاريخ التكتيك في كرة القدم” في مقالة نُشرت الأسبوع الماضي في صحيفة “الغارديان” البريطانية، أن مباراة بين أي مدربين رائدين مثل “روزه” في مونشنغلاد باخ أو “فافري” في “بروسيا دورتموند” يمكن أخذها على أنها “كرة قدم عصرية”.
إن هذا الفكر المُتقدّم في التعاطي مع كرة القدم هو ما يجب أن نضعه تحت الدراسة، وأن نراقبه على الدوام، فالمجال الذي يمارس هناك هو ما يُعطي العالم كيف أن المسائل لا تأتي بالصدفة ولا بالتفاعل الطبيعي العادي مع أي إيقاع عمل.
إن الألماني المّذهل الذي أنتج للبشرية الآلة الضخمة هو ذاته الذي أغرق الإنسان بجمال الموسيقى وفي كل مراحله كان لا يأخذ الأمور على الحد الأدنى من الأداء، بل لا بد أن يصل إلى مستوى البراعة والمنُجز المُعجِز.
لقد مررنا في السعودية بتجارب طويلة مع مدارس عقلية كثيرة في مجال كرة القدم سواء من البرازيل أو الأرجنتين أو الأوروجواي أو البرتغال وبعض دول أوروبا الشرقية، بل إن لدينا في هذا الزمن من لا يزال يستعين بالنماذج العربية في التدريب - مع كامل الحب والتقدير طبعاً -، لكننا يجب أن نخرج من الصندوق المُظلم إلى الفضاء الواسع المُنير.