|


أحمد الحامد⁩
يعيش التفاؤل
2020-06-08
المتفائلون على استعداد دائم للنجاح وفي أجسادهم طاقة جاذبة، حتى وجوههم مشرقة بالحياة، كما أن أحاديثهم مُحفزة تبعث على النشاط في النفس، لذلك نجد أن المتفائل يهتم بالأشياء الصغيرة لأنه مؤمن بأنها ستكبر، ولو نظرنا اليوم إلى كل ما يثير إعجابنا من منجزات لوجدنا أن كميات كبيرة من التفائل كانت مصاحبة لمن أنجزها.
يقول يوسف السباعي عن تأثير التفاؤل المباشر على نظرة الإنسان للحياة والتي تحدد طريقة حياته ومدى سعادته: “إذا نظرت بعين التفاؤل إلى الوجود رأيت الجمال شائعًا في كل ذراته، حتى القبح تجد فيه جمالاً” وقد يكون نجاح المتفائلين سببه أن التفاؤل يحفز العقل على التفكير السليم. كما أن النفس تكون قابلة لتلقي الأفكار العظيمة والتعامل معها على أنها ممكنة مهما بدت كبيرة، ومن صفات المتفائلين أيضًا أنهم عمليون ويتجاوزون أخطاءهم بسرعة ولا يتوقفون عندها كثيرًا، لكن التفاؤل ليس فكرة بل حالة عملية، أي أن المتفائل إنسان تنفيذي، يقول نجيب محفوظ في ذلك “كثيرًا من الناس يظن أن التفاؤل هو انتظار خروج وردة دون أن يزرعها بعد”.
من قصص التفاؤل ما قرأته في كتاب التفاؤل والأمل لسناء محمد سليمان عن الكاتب والأديب روبرت لويس ستيفن سون الذي تعرض لأمراض متعددة لكنه صنع مما أصابه درسًا مهمًا في معنى التشبث في التفاؤل، أصيب روبرت بنوع من الدرن الصدري أفقده القدرة على استخدام يده اليمنى التي اعتاد الكتابة بها، ثم تعلم الكتابة بيده اليسرى التي فقد السيطرة عليها بعد مدة قصيرة بسبب المرض، فأصبح يملي أعماله الأدبية على أصدقائه، ثم أصيب لسانه بالمرض وفقد النطق، ولكن الذي تشبث بالأمل وبقي متفائلًا بعد كل ما أصابه تعلم لغة الإشارة وصار يملي كلمات رواياته، والناظر لحياة هذا الأديب يرى إلى أي درجة بقي متفائلًا حتى استطاع أن يجد الحل تلو الآخر، لقد أعطاه التفاؤل كل هذه القوة والإصرار على البقاء بروح لا تستسلم، والمتفائل إنسان يرى أي تقدم يحصل في البدايات هو نجاح كبير حتى وإن كان صغيرًا، كتب الموسيقي العالمي موتسارت في بداياته الموسيقية خطابًا لزوجته يصف فيه حفلته، واصفًا جمال ديكور المسرح وأداء العازفين الرائع، وكيف أنه شعر بالسعادة الكبيرة لذلك، ثم كتب في آخر الخطاب أن عدد الأشخاص الذين تواجدوا في حفل الافتتاح لم يتجاوزوا العشرة أشخاص، ثم صار بعد ذلك موتسارت، الحياة من دون تفاؤل حكم مسبق باليأس.