|


طلال الحمود
أصحاب الخيمة
2020-07-04
انتشرت ظاهرة تسجيل المكالمات في الوسط الرياضي خلال العقد الأول من الألفية الجديدة، وتسربت حينها أحاديث منسوبة لرؤساء أندية ولاعبين أثارت الجدل طويلاً ونزعت الثقة من علاقة المتعاطين مع هذا الوسط، خاصة أن بعضها كشف عن محسوبيات وشراء ذمم ورشاوى للحصول على نتائج مباريات أو لتسهيل صفقات.
ويبدو أن العدوى انتقلت حينها إلى بعض السياسيين الذين ضربوا بأعراف الدبلوماسية والضيافة عرض الحائط، وأخذوا بتسجيل محادثات ضيوفهم الذين قدموا لبحث المؤامرات ضد بلدانهم مع المضيف، دون أن يخطر ببالهم أن الأخير سيستخدمها يوماً للإطاحة بهم، كما فعل الرئيس الليبي معمر القذافي مع ضيوف خيمته الشهيرة.
وكثيراً ما كان العالم يتهم القذافي بالجنون، إلا أن ما فعله برهن فطنة وقدرة على قراءة الوجوه والأحداث، إذ افترض الزعيم الراحل أن هؤلاء الضيوف مجموعة من الخونة لأنهم جاؤوا إلى خيمته للتآمر على بلدانهم وأهلهم، ومن الصعب أن يؤمن جانب الخائن، ما قاد القذافي لتوزيع لاقطات الصوت في أنحاء المكان واستدراج “الخونة” بمداخلات تقودهم إلى التحدث بعيداً عن التحفظ.
صدق ظن الزعيم الليبي لاحقاً بعدما اندلعت الثورة في بلاده وخانه الضيوف بالتأليب عليه وتجييش الشارع العربي ضده، قبل أن يبرهن لهؤلاء الخونة أنه لن يشرب الكأس المسمومة بمفرده، وأن باستطاعته مطاردتهم حياً وميتاً من خلال تسجيلات كان حريصاً على حفظها والإيعاز إلى المقربين منه بنشرها في حال وفاته.
رحل القذافي عن هذه التسجيلات تاركا للمتآمرين سواد الليل وأفكاره الموحشة، في انتظار أن تنتصر الأوطان لكرامتها ويقتص الناس من الخونة الذين عاشوا سنوات طويلة يتحينون الفرصة للانقضاض على الأرض وأهلها، وسافروا شرقاً وغرباً يخططون لنشر الفوضى والدمار في شوارع المدن الآمنة، دون أن يفكروا بمصير الوطن وأهله حين يصبح ممزقاً غارقاً في الخوف والمرض والفقر.
تسجيلات الخيمة برغم بشاعة ما فيها، إلا أنها أسست لعهد جديد في علاقات الساسة ببعضهم، وبرهنت للمتطفلين على دواوينهم أن اللعب مع هؤلاء القوم محفوف بالمخاطر، إذ لا حصانة ولاكرامة لخائن حتى عند أعداء قومه، برغم حاجتهم لمكره وحقده في تنفيذ مخططاتهم.. ويبقى أن مرحلة ما بعد تسجيلات الخيمة ستفرض على المتآمرين من القادة والحركيين التحول إلى لغة الإشارة مستقبلاً لنسج المؤامرات ووضع الخطط، لأن ما حدث لأصحاب الخيمة برهن للبقية على انتهاء مرحلة الصناديق المغلقة والأسرار المحفوظة.