|


طلال الحمود
بضاعة أرطغل
2020-07-25
استأثر مسلسل “قيامة أرطغل” باهتمام المشاهدين في العالم العربي منذ بدء حلقاته الطويلة، التي ما إن يصل المتابع إلى آخرها حتى ينسى أولها، ويبدو أن الأتراك عرفوا أخيراً أن هناك شيئاً يدعى “القوة الناعمة”، فذهبوا إلى الإنتاج الدرامي لتنظيف سمعتهم من درن الدولة العثمانية وصورتها الملطخة بعشرات المجازر وجرائم الإبادة في كل مكان حلت فيه جيوشها.
ويتحدث أرطغل في إحدى حلقات المسلسل إلى شخص تعامل بوحشية مع الأسرى، قائلاً: “هذه ليست أخلاق الأتراك”، وربما كانت هذه العبارة تلخص الفكرة من هذا الإنتاج الذي يحاول إعادة تشكيل الصورة الذهنية عن الأتراك، والإيحاء بأنهم أمة تمتلك من مكارم الأخلاق ما يوازي العرب ويفوق، وأن أحفاد أرطغل أضافوا للثقافة الإسلامية أكثر من إضافتها لهم، مع أن وقائع التاريخ تشهد على أن هؤلاء القوم كانوا أمة بدائية لا يقلون همجية عن المغول والتتار بدليل الجرائم التي ارتكبتها الدولة العثمانية ومازالت الشعوب المجاورة في أرمينيا واليونان وكردستان تعاني بشاعة ذكراها.
ويبدو أن فكرة المسلسل جاءت بعد تراجع سمعة تركيا في العالم العربي ورفع الإعلام الغطاء عن واقعها المليء بالتناقضات، وماضيها المجرد من الأخلاق والإنسانية، وربما كان أحفاد أرطغل السبب الرئيس في فرض التخلف والبؤس على العرب من خلال إهمال التعليم ونشر الرذيلة بتشريع الدولة العثمانية لكثير من المحظورات الاجتماعية مثل الدعارة وتجارة المواخير في حلب والقاهرة والقدس وغيرها، من أجل تحصيل الضرائب من العاهرات والخمارات لتمويل الفتوحات الإسلامية، فضلاً عن الوحشية التي كان يتعامل بها الولاة مع الرعية وابتكار أبشع الطرق لتعذيب وإعدام الناس مثل استخدام “الخازوق” في الميادين العامة لقتل من يخالف أمر الوالي العثماني، ما يبرهن على أن أرطغل وقومه كانوا أمة بدائية لم تهذبها “أخلاق الأتراك” المزعومة ولا حتى الإسلام الذي يدعون خدمته.
وبرغم أن وحشية التاريخ الذي يحاول مسلسل “قيامة أرطغل” تجميله، لا تقبل الجدل في البلدان التي تجرعت مرارة الاحتلال العثماني، إلا أن بعض العرب من هواة خلط الأوراق وتغيير الحقائق لا يجد حرجاً في الدفاع عن هذا التاريخ الأسود لأهداف معروفة، علماً أن إنكار جرائم العهد العثماني يعتبر جريمة في كثير من بلدان العالم. ما يجعل المطالبة بتجريم التعاطف مع تاريخ الدولة العثمانية تصبح حاجة ملحة لإيقاف هذا العبث، وربما يكون خطوة أولى نحو المطالبة باستعادة الآثار التي سرقها أحفاد أرطغل من الحجاز وبقية البلدان العربية.