|


تركي السهلي
الهلال المحروم
2020-08-02
أشعر بشفقة كبيرة على نادي الهلال السعودي. البطل الكبير بلا لغة تُعبّر عنه. كُل شيء فعله الأزرق، لكنه يفتقر إلى الآخذ به إلى الفضاءات الرحبة من التبجيل. إنه كاليتيم الثري جداً الممنوع من التصرّف. يطوفون حوله رغبة في الظهور والمنفعة لا الحب والوصف الدقيق. لا شاعر لمحروم “العٌريجاء” ولا قاصّ.. لا كلمات تُكتب ولا رواة. أحيان كثيرة يبدو كميّت.. الفقد جسيم واللحد ضيّق جداً.
مسكين هذا القابع في الأطراف الغربية من العاصمة الرياض. إنه الجاذب المنفّرون منه أهله. لا أحد يرغب في الاقتراب منه.. لا أحد يحمل الودّ له بسبب الطائفين حوله. بل المدّعين حبّه الطاردين لكل مدهوش بلونه. حينما ولِد الأزرق في العام 1957م كان هجيناً بلا شك. كان “ خلاسياً” لا يحمل جينات المدينة الصغيرة ذلك الوقت. كان المسبوق بغيره من ذوي العمق المجتمعي والجذور الضاربة في التاريخ. كان شقياً منذ صرخته الأولى ولا يزال. لذلك يسمح للمتكلّمين أن يكذبوا على الآخرين باسمه.. فيبدو طوال عمره في حال نقيض.. الجميل الأبكم.. القبيح المُبتسم. لا جدال بأن الهلال يحمل وجهاً لكنّه بلا رأس واحد.. لديه رؤوس كثيرة وألسن طويلة وأعين صغيرة. تماماً كالمخلوق المُدبّبّ ذي الأيدي والأرجل والامتداد الأنفي واللحية ذات المنحنى. هو يبدو كالأغلب لكنه بلا أشقاء ولا عائلة ينتمي لها. وحيد إلا من كثيرين.. لا يعنونه لكنهم ارتبطوا به. ما أتعس هذا الأزرق حقاً.. ما أشقاه بوجودهم..
من كُلّ ذلك، اعتاد الهلال على الظهور للناس تحت غطاء.. أصبح لا يقوى على الكشف طوال عمره. يفضّل أن يكون بينه وبين غيره حجاب. وذلك استهواه، لأنه يرى أن هذا الأمر يسمح له بتخطّي الصفوف وتجاوز الحدود فهو لا ينتظر مثل الآخرين ولا يمارس ذلك، وهو يعلم أن لديه رؤوسًا متعددة وأرجلاً مضلّعة ولحية ذات منحنى ولا ينزعج من كونه مُدبّباً لا استقامة في شكله. إنها التركيبة المُعقّدة جداً العصيّة على الكلام إلا من يُجيد تفكيكها من العارفين لحجمه طبعاً.. الغائصين في تفاصيل اللغة ومفرداتها ووصف الوجوه المختبئة المُغطّاة. محرومٌ هذا الأزرق محروم.
طويلٌ طريق الهلال. يبكي وإن بدا راقصاً.. يزحف وإن بدا ماشياً.. يتجمّل وإن كان يكره المرآة. حينما يتحدث تصدر الغوغاء.. حينما يرى الفضاء تتحلّق حوله الأعين الصغيرة.. ترقبه جيّداً فيكون بؤرة.. مجرّد بؤرة لا ماء فيها ولا بريق.. لا يألف ذاته وتكتسي وجهه الزُرقة.