|


أحمد الحامد⁩
لكي يصبح العالم أجمل
2020-09-06
يشعر بعضنا بالتقصير عند فقدان أحد أحبتنا، لم نكن متواصلين معه بالشكل المطلوب، ونقوم بطرح أسئلة لم نكن نطرحها قبل رحيله، مثل: لماذا لم نكن نقضي معه الوقت الكافي؟ لماذا لم نسأله إن كان في حاجة إلى شيء ما؟ لماذا لم نُشعِره بالحب الكافي الذي يستحقه؟
هنا، يصبح رحيله تنبيهًا لنا بأننا نعيش دون أن ننتبه، ثم تتضاءل الأسئلة، وتضمر عند الكثير منا، وقد نضع لها أجوبةً، مثل، أنه كان بين أبنائه، أو أقاربه، حتى نهوِّن على أنفسنا عدم الظهور في اللقطة الأخيرة من حياته، وننسى. لكن ماذا لو رحل وحيدًا؟ في هذا العالم الكبير هناك مَن يرحلون عن الدنيا وهم يشعرون بالوحدة. يرحلون دون أن يحيط بهم أحدٌ ممن قضوا معه سنوات عمرهم. يرحلون وحيدين إلا من المرض والوحشة. قبل أيام قرأت عن امرأة، أثارت إعجابي، كونها رأت أن هذا العالم في حاجة إلى مساعدتها، ولأنها استطاعت أن تتصرف أمام الأسئلة التي تناوبتها بعد رحيل أحدهم. تصرفت، وفعلت الفارق بين أن تشعر بالندم، ثم تنسى، وبين أن تفعل شيئًا لكيلا تنسى. بعد أن أنهت الممرضة الأمريكية سارا كلارك ساعات عملها في المستشفى، طلب منها أحد المرضى أن تجلس إلى جانبه قليلًا، لأنه يشعر بالوحدة، وبالرغبة في وجود أحد إلى جانبه. لم تهتم بطلبه، وعادت إلى منزلها، في اليوم التالي، عادت إلى العمل، وعلمت أن المريض الذي طلب منها البقاء إلى جانبه قد مات. ظل طلب المريض من ساندرا أن تبقى إلى جانبه في ذاكرتها 15 عامًا. كان عبارةً عن تأنيب ضمير، وشعور بالتقصير، إلى أن قررت إطلاق برنامج تدريب ودعم للمواطنين الرحماء، ليكونوا رفاقًا للناس في الأيام والساعات الأخيرة من حياتهم. هذه المبادرة، التي أُطلِقَت عام 2001، استطاعت أن تضم إليها الكثير من المتطوعين، وانتقلت من ولاية أريجون الأمريكية إلى العديد من المناطق، ودخلت إلى مستشفى Inveclyde royal في إسكتلندا، ثم وصلت إلى دور الرعاية. لا يكلف هذا التطوع أموالًا، مجرد التبرع بمجهود ساعات عدة، يقدمها قلب رحيم.
يبقى هذا العالم جميلًا بمثل ساندرا كلارك، وكل مَن يرى أن للآخرين حقًّا عليه حتى وإن لم يكن يعرفهم، ولا تربطه بهم صلةٌ سوى الإنسانية، الإنسانية التي إذا ما تعامل بها الإنسان، وجعلها منهجه في الحياة، فسيشعر بقوة تأثيره لجعل العالم أجمل.