|


رياض المسلم
مبادرة مغلّفة بـ«المهانة»
2020-09-12
“سئل حكيم، هل هناك أقبح من البخل؟ فأجاب: نعم الكريم إذا تحدث بإحسانه لمن أحسن إليه”، كم تمنيت أن هذا الحكيم يعيش في زمننا ويشاهد ما يفعله بعض “مشاهير السوشال ميديا”، من إذلال للمحتاجين والتشهير بهم وجرح كرامتهم بحجة الإحسان لهم، فوقتها قد يعتزل “الفلسفة” ويتجه إلى المطبخ..
أحد هؤلاء “المشاهير” أطلق على نفسه “صاحب مبادرات”، يتنقل من مدينة إلى أخرى ليوثق فيديوهات للباعة في الشوارع، ويسلط الضوء على معاناتهم ويحوّل بسطتهم إلى مزار “تاريخي” فيحرّج على “كرامتهم”، فهذا يمنحهم مبلغًا بسيطًا وذاك يعدهم بوظيفة وآخر بعزيمة، فيتواصل المسلسل الدرامي الذي يخرجه وينتجه صاحب المبادرات..
مهما فعلت فإن محتوى “مهرجي السوشال ميديا” سيصلك، فلا تستطيع رد طلب زوجتك بمشاهدة “سخافتهم”، اطّلعت على فيديو البائع المحتاج فحزنت على نظراته للكاميرا وعيناه تريدان أن تنطقا وتطردا هذا المستغل لحاجته، الناس تجمهرت حوله، وبدأ المسلسل وللمرة الأولى البطل لا يفرح بنجاح العمل الدرامي، فكيف لشخص يبتهج بسرقة كرامته، وبعثرتها في الشوارع..
الكثير من المساكين لن يرضوا على أنفسهم أن يتطفل عليهم هذا المشهور أو غيره ليعلوا مراتب في أعين المتابعين والثمن سقوط كرامتهم..
نحن نعيش في دولة الرخاء والعزة والكرامة، المملكة العربية السعودية، فكل محتاج تمتد إليه يد العون وتكفل له الرعاية والاهتمام من قبل جهات مختصة معتمدة، لا تبحث عن “الشهرة” وإنما العمل، ناهيك عن أهل الخير ممن يساعد هؤلاء وجوالاتهم في جيوبهم..
أتساءل: ألم يستطع هذا المشهور أن يساعد المساكين دون أن يمس كرامتهم؟.. المعادلة هنا لا تتحقق.. فهمّه رفع عدد المتابعين دون وضع اعتبار لأي قيّمة.. أدعوه ومن على شاكلته مشاهدة ما يفعل المشاهير الحقيقيون منهم النجم فايز المالكي الذي سخّر حساباته الشخصية لخدمة المحتاجين في كل موقع، والجميع وقف على مبادرته الأخيرة مع “الإسكان” وتمكين العاجزين لتملك مساكن دون أن يمس كرامتهم أو يجرحها..
كتب الزميل عضوان الأحمري تغريدة أتمنى أن تحول إلى خارطة عمل وقال: “الانفلات الذي يحدث بسبب هوس الشهرة تحت مسمى “التأثير” يخرج عن السيطرة. حتى منصة جود للإسكان، التي يتبرع من خلالها عشرات الآلاف من فاعلي الخير بصمت استسلمت لهم وجلبتهم لتصوير استلام عائلة لمسكنها. الحل هو محاسبة الجهات الحكومية التي تجلبهم للثناء عليها، هي من صنعت منهم شيئاً”. نعم لدينا انفلات غريب لهؤلاء “المؤثرين” سلبًا على المجتمع فيظهرونه بصور غير لائقة، فلا يكفي طرد غبائهم من أجهزتنا الذكية ولكن لا بد من تدخل الجهات المختصة لإيقاف ذلك الهوس والعبث..