|


أحمد الحامد⁩
كلام في الإعلام
2020-09-13
مهما تعدَّدت الوسائل الإعلامية المملوكة للأفراد، والشركات، تبقى الوسائل المملوكة للحكومة في أغلب دول العالم الأكثر أمانًا من كل الوسائل الإعلامية الأخرى، لأنها وسائل مسؤولة، ومعاييرها الأخلاقية محددة وواضحة، ولا تغيِّرها أهدافٌ تجارية، تضرب القيم الأخلاقية العامة.
كنت وما زلت أقول إن يوتيوب من أعظم الخدمات المعرفية التي حصل عليها إنسان اليوم، لكنَّ ذلك لا يعني أنها منصة آمنة بصورة كاملة، لأن المُشاهد لمحتوى معين، حتى لو كان طفلًا صغيرًا، قد يتفاجأ بظهور إعلان، يُظهر مثليين، يتبادلان القبل! ليس من العدالة أن يُطلق أحدهم منصةً مثل يوتيوب، ثم إذا ما جمع مئات الملايين من المشاهدين، قام ببث أي إعلان مهما كان المحتوى الذي يروِّج له طالما أنَّ له مردودًا ماديًّا. مشكلة الشركات الإعلامية العالمية الخاصة أن معاييرها مرتبطة بسلوك وأخلاقيات ملَّاكها، والخطورة عندما تكون هذه المعايير مطاطية. الوسيلة الخاصة إذا ما صار لها جماهيرية، لابد أن تكون أخلاقياتها هي الأخلاقيات العالية العامة، لا أن تُفرض فيها سلوكيات الأقلية على أنها سلوك عام، يصلح للجميع. المتابع لمسلسلات وأفلام بعض المنصات العالمية المتخصصة لن يتأخر في اكتشاف أنها تصنع مسلسلات وأفلامًا، تحاول من خلالها تسويق سلوك أقليةٍ للأكثرية على الرغم من أن سلوك وأعراف معظم مشاهديها، هو سلوك الأكثرية لا الأقلية. فضاؤنا المرئي والمسموع والمقروء لا حدود له، وهذا مكسب كبير، لكنه يحمل إلينا في الوقت نفسه سيطرة منصات شهيرة، استغلت شهرتها في تمرير أفكارها، وفرضت المحتوى الذي لا يصلح لمجتمعات كثيرة على أنه محتوى صالح للجميع. يؤلمني أننا ما زلنا بوصفنا متحدثين باللغة العربية لا نملك منصاتنا الثرية المقنعة التي نستطيع أن نضع فيها ضوابطنا الأخلاقية، فنضطر إلى الذهاب إلى منصات أجنبية، يملكها أفرادٌ لهم معاييرهم وأهدافهم المختلفة. في الماضي وقبل الإنترنت والفضائيات، كانت القنوات التلفزيونية الحكومية على الرغم من كلاسيكيتها ومحدودية برامجها الناجحة، آمنة، ولا يخشى رب الأسرة على أطفاله منها، فلا يراقب المحتوى، لأنه يعلم بأن للقناة معايير أخلاقية عالية، أما اليوم، ومع هذا التحول الكبير وانفتاح الفضاء، فقد صار عليه أن يتحمَّل المسؤولية، ويعمل رقيبًا على المحتوى بشكل دائم.