|


فهد عافت
السّنجاب وابن الحارة!
2020-10-07
- كانوا في رحلة. بمفرده قام “وليم جيمس” بجولة، وحين عاد إلى المُخيّّم، وجد أصحابه في نزاع ميتافيزيقي!. كانوا قد راقبوا رجلًا يدور حول سنجاب على شجرة. مقصد الرجل رؤية السنجاب دون حاجز الشجرة، لكن السنجاب كان يدور كلّما دار الرجل وبحركة أسرع منه، فلم ير الرجل من السنجاب إلا الجزء الأمامي تقريبًا، ظلّ ظهر السنجاب محجوبًا!. وكان السؤال موضع الخلاف والاختلاف: هل دار الرجل حول السنجاب أم حول الشجرة فقط؟!.
- حين وصل “وليم جيمس” كان النقاش محتدمًا!. حكّموه بينهم، فخطرت له حكمة مدرسيّة قديمة: متى ما واجهت تناقضًا، توجّب عليك صُنع فارِق بين الاثنين!.
- فكّر، ووجد الحلّ: المسألة تعتمد على ما تقصدونه علميًّا بقولكم: “الدّوران حول”!. إن كان المقصد هو المرور من شماله إلى الشرق ثم إلى الجنوب فالغرب، ثم العودة إلى الشمال من جديد، فالرجل، وبحكم أنه شَغَلَ تلك المواقع المتعاقبة، نعم، دار حول السنجاب!. وإن كان المقصد أنه كان أولًا أمام السنجاب ثم إلى جانبه الأيمن ثم وراءه ثم على يساره وأخيرًا أمامه، فالرجل لم يدُرْ حول السنجاب وإنما حول الشجرة!، لأن السنجاب قام بحركات تعويضيّة، أبقتْ بطنه فقط بمواجهة الرجل!. كلاكما مُحِقّ وكلاكما مُخطئ!.
- على ضوء هذه الحادثة “الحكاية” التي تذكرها الفيلسوف وعالم النفس الأمريكي “وليم جيمس”، أقام عملًا فلسفيًّا نابهًا وممتعًا، وألّف كتابًا أسماه “البراغماتية”، راح يدافع فيه بحب وفهم جديدين عن البراغماتيّة محاولًا تخليصها من شوائب الفهم، معتبرًا إياها طريقة جديرة بالتقدير لتسوية نزاعات كثيرة، بالأخصّ تلك النزاعات الميتافيزيقيّة: هل العالَم واحد أم متعدّد؟ مسيَّر أم مُخيَّر؟ مادّي أم مثالي؟!.
- أرفع رأسي عن صفحة من الكتاب، فتقع عيني على كتاب “همس النجوم”، مجموعة قصصية لنجيب محفوظ. كنت قد قرأت الكتاب منذ مدّة، لكن وقوع عيني عليه من بين كل الكتب الآن بالذات، ذكّرني بواحدة من قصصه، نهضت، وتناولت الكتاب، ولأنني من طبيعة القرّاء المُخربشين، الذين يخططون على كتبهم، ولأن الكتاب صغير الحجم، وصلت سريعًا لمبتغاي: قصّة “ابن الحارة”!.
- حكاية شاب فقير بجلباب وحيد، فراشه التراب. في أحد الأيام رأى حمارًا يجرّ عربةً ويُوشك أن يدهس قطّة، صرخ الشاب دون وعي ولا دراية بما يقول: “ارجع”!. في تلك الأثناء كان “الشيخ العصفوري” منطلقًا صوب الميدان. أصابته الصرخة، فتوقّف عن السير، وإذا بحجر كبير يسقط أمامه على بعد خطوات!. وضح لكل من رأى المشهد أنه لولا توقّفه تلبيةً لنداء “ابن الحارة” لدكّه الحجر دكًّا!. من يومها ارتقى “ابن الحارة” من متسوِّل إلى وَلِيّ من أولياء الله، وصارت له كرامات!.
- ولا يسألني أحد عن الرابط بين الكتابين أو بين الحكايتين. أنا، والله، لا أدري!. فقط أشعر وأحس، مجرد شعور وإحساس، أن بينهما رابطًا، ورابطًا قويًّا أيضًا!.
والأكيد أنّ كثيرًا من المواضيع والأعمال الفنيّة والأدبية لها طبيعة “سنجابيّة”، ندور حولها، وبالرغم من ذلك لا تكتمل الصورة!.