|


فهد عافت
إنها أغنية!
2020-10-13
- كل الفنون تحتاج إلى مهارات ومعرفة لتتمكّن من الاستمتاع بها، باستثناء الموسيقى وابنتها الأغنية!.
- الأغنية متسامحة، مضيافة، بابها لا يُوصَد!. نقيّة لدرجة أنك لا تحتاج لمهارة ولا لمعرفة من أي نوع ليدخل كل منكما في وجدان الآخر، في أحلامه وآماله وتطلّعاته وحتى أحزانه ومواساته فيها!.
- يُمكن لها أن تُنيم رضيع، بلطف بالغ، وأن توقظه ببشاشة ليّنة!.
- لا يحتاج الواحد منّا إلى معرفة قوانينها، مقاماتها، أصولها وتفريعاتها، وأيّ من أسرارها، إلا حين يريد تعلّمها، وهذا قليل، أو حين يريد أذيّتها بسِباب صحفي!، أو استعراض معرفي من أي نوع!، وهذا كثير!.
- غير هذا، فإنّ الأغنيّة تمرّ عليك، وتمرّ بك، فإن أحببتها وتعايشت معها كان بها، وإلا فيمكنك هجرها سريعًا دون حاجة لإبداء أسباب، ودون ضرورة لتذكّرها أو تذكير أحد بها!. لديك دائمًا، عدد لا يمكن لجلسة واحدة أنْ تكفيه، من الأغنيات العذبة التي يمكن لك تذكّرها، والاستمتاع بها، والحديث عنها!.
- الأغنية حب وشوق ولهفة، وفيها ميزة ليست في سواها من الفنون والآداب، هي أنك تستطيع اختبار حب وشوق ولهفة ووله الآخر بها أثناء تأمّله و”سرحانه” فيها!.
- أنت تقدر على معرفة رأي صديقك في رواية أو في ديوان شعر، هذا صحيح، لكن هذا يأتي لاحقًا. أنت لا تقدر على رؤية الشغف في عينيه لحظة قراءته للكلمة.. السطر.. الصفحة، ذلك لأن نظرات عينيه في تلك اللحظة الفارقة تكون على الكلمة.. السطر.. الصفحة، لكنها، أبدًا، لا تكون ساهية سابحة في الفضاء!.
- ربما أمكنك النظر، نوعًا ما، في عيون متأمِّل في لوحة أو منحوتة، لكنك حينها ستُضايقه، وسينتبه إليك ويتشتت تفكيره ويرتبك خياله وتأمّله!.
- مع، وفي، الأغنية يمكنك فعل ذلك بأكبر قدر من التسامح والحب والرحابة. تقول لجليسك اسمع، وتدور الأغنية، تنظر في عينيه، لا يراك، لأنه ينظر إلى داخله!. من خلال شروده مع الأغنية، وعلى قدْر “سرحانه” فيها، يكاد يروي عليك قصّته كاملةً!، على الأقل الفصل المتناغم من قصّته مع هذه الأغنية التي يستمع إليها!.
وتسترق من مشاعره ومن نظراته زادًا لك، يُكثِّف إحساسك، أو يجدّده، بالأغنية نفسها!.
- الأغنية شيء جميل، سهل وبسيط، ولا يمكن لإنسان إلا وأنْ يكون قد جرّب الغناء بينه وبين نفسه مرّات ومرّات!.
- والأغنية شيء صعب جدًّا، حين يتعلّق الأمر بالإعلان!. لا يمكن لأُغنية أن تروق لك، ولا لأي أحد، فقط لأنها عُرِضت كثيرًا، أو لأنّ كلمات إطراء “بالهَبَل” قيلتْ فيها!. تروق لك فقط حين تروق لك، لا أكثر ولا أقل!.
- وقد يتطوّر ذوقك مع الأيام، ويرْهف إحساسك، فتحب نوعيّة أُخرى من الأغاني غير التي أحببتها في طفولتك وفي صِبَاك وحتى شبابك، مثل هذا الأمر قد يحدث معك تجاه أي فن آخر، خاصّةً الشعر!.
- الفرق هو أنك، مع بقية الفنون، قد تخجل أو تسخر من ذائقتك الأولى، وقد تقرف وتبغض تلك النماذج من الفنون، لكن مع الأغنية فإن هذا لا يحدث أبدًا، أو لا يحدث تقريبًا، لأنك ومهما تغيّرتْ ذائقتك الفنيّة، فإنه لا يُمكن لك مُلاقاة أغانيك القديمة بغير حنين ومودّة لها ولأيامها ولمرحلتها!.
- شكرًا للأغنية، لجودها ولوجودها في حياتنا!.