|


أحمد الحامد⁩
لا تهدم الجدار
2020-10-20
ستكون محظوظًا إذا رزقت بجار طيب خلوق، أقول رزقًا لأن الجار السيئ خسارة معنوية ومادية أيضًا، كون منزلك بالقرب ممن لا يهنأ العيش بجانبه، فيتحول المكان الذي من المفترض أن يكون مكان سعادتك إلى مكان أزماتك، لذلك قد تقوم ببيع منزلك بثمن أقل من قيمته الحقيقية، لأنك تريد التخلص من هم الجار بأسرع وقت ممكن، قرأت إعلانًا كتبه أحدهم على جدار منزله: للبيع لسوء الجيرة..
وقبل أيام نشرت الصحف خبرًا يقول إن إمرأة أمريكية غيرت الرقم السري للواي فاي في منزلها، فغضبت جارتها التي كانت تستخدم نفس الواي فاي وهددتها بقتل كلبها إن لم تعطها الرقم السري الجديد.. واشتكت إحداهن للشرطة لأن بكاء طفل جارتها الرضيع يزعجها، وكنت قد قرأت قصة مازلت أتذكرها كلما أردت أن أستأجر منزلًا، داعيًا الله ألا يتكرر الأمر معي، تقول القصة إن أحدهم كان موسيقيًّا واشتكى للشرطة بسبب غناء جاره لأن صوته نشاز ولا يفقه في الغناء شيئًا، وهذا ما يؤثر على مزاجه وعلى تأليفه الموسيقي، والحمد لله أنني لم أسكن لغاية الآن بجانب أي موسيقي لأنني متأكد أنه إذا ما سمع غنائي والمواويل والليالي فلن يتردد بالذهاب إلى الشرطة وإلى كل ما يمنع خدش أذنه الكريمة.. في التراث الغربي الكثير من الحكم والنصائح المهمة عن كيفية التعامل مع الجيران، والغربيون خبراء في ذلك كأفراد يحافظون عادة على استقلاليتهم ولا يسمحون لأحد بأن يتدخل في شؤون حياتهم وحدود منازلهم، طلبًا للراحة وضمانًا للسلامة، وقد وصل الحال في أوروبا بأن بعض الجيران استبدلوا الأحاديث بالقصاصات الورقية بعد أن يكتب الجار ملاحظته، مازلت أتذكر استغرابي عندما تعرفت على أسلوب الغربيين، ترك جاري قصاصة ورقية على زجاج سيارتي كتب فيها إن كانت الموسيقى التي يستمع لها ابنه المراهق قد سببت أي إزعاج لنا، ثم عندما أراد أن يسافر ترك رقم هاتفه وكتب: أرجو إبلاغي إذا ما أزعجكم ابني بالاتصال على هذا الرقم.. والحقيقة أن ابنه لم يكن مزعجًا رغم سماعنا للموسيقى التي كان يستمع إليها، لكن هذا لا يعني بأن أتقدم بالشكوى لوالده، الحقيقة أن مستوى علاقات الجيران في أوروبا معتدل، فلا هي الباردة ولا هي التي تسمح بالتدخل في الخصوصيات، أهل النرويج لديهم مثل حكيم: أحب جارك لكن لا تهدم الجدار الفاصل بينكما.