|


أحمد الحامد⁩
التقليد.. خطوة أولى
2020-10-24
لا عيب في التقليد إذا ما كان مؤقتاً، جميعنا في وقت ما قلدنا غيرنا سواء بقصد أو بغير قصد، لنقل إنه لاكتساب الخبرة، أو جاء بعد التأثر بتجربة معينة، حتى الكتّاب المشاهير في بداياتهم تأثر معظمهم بأسماء سبقتهم، لكنهم في مرحلة ما أصبحوا يقدمون أسلوبهم الخاص بهم، وهو الأسلوب الذي سيقلده غيرهم كما قلدوا هم الذين سبقوهم.
حتى في الصناعات يوجد التقليد كأسلوب بداية، في بداية ظهور “الماكنة”، كان الإنجليز يطالبون الألمان أن يكتبوا على منتجاتهم صنع في ألمانيا لكي لا يظن الناس أنها صناعة إنحليزية، لأن الإنجليز كانوا يقولون بأن لا صناعة تنافس صناعتهم، وقد كان الإنجليز من أسياد الصناعة، وقد يكون الألمان قلدوا بعض المنتجات البريطانية في بداياتهم، لكنهم وصلوا منذ سنوات طويلة إلى قمة الصناعة للدرجة التي صار فيها الإنجليز من المعجبين بمهارة الألمان التي أبهرت العالم ومازالت، عندما أرادت كوريا الجنوبية أن تنهض قلدت اليابان في صناعاتها، وتحملت كل الانتقاص من مستوى منتجاتها مقارنة باليابان، إلى أن صارت بلداً صناعياً مبتكراً وتحولت من بلد مقلد صناعياً إلى نموذج للتقليد، ثم جاءت الصين كأكبر بلد مقلد في التاريخ الحديث، حتى اقترن التقليد بكل ما هو صيني، وفي الوقت الذي كان العالم يتندر على سوء تقليدها، وقفت الصين كعملاق كبير وصلت أذرعه إلى أقاصي العالم، حتى أصبحت الصين مصنع العالم الماهر، وكثاني اقتصاد في العالم، والواضح أنه سيكون الأول لا محالة.
في اللقاءات الإذاعية عندما أطرح السؤال الذي أود أن أتعرف فيه على بدايات الضيف، وهو سؤال مهم جداً لأن الإجابة عليه عادة تحمل فائدة، كانت الأجوبة تحتفظ بكلمة التقليد بشكل شبه ثابت، وأنهم كانوا في طفولتهم مجرد مقلدين لكنهم يحبون ما كانوا يقلدونه، في بداياتي الإذاعية حاولت أن أقلد مذيعي نشرات الأخبار، أحاول أن أصنع صوتاً رخيماً عندما أقرأ، لكنني مع الوقت عرفت أن قراءة النشرات الأخبارية هي أبعد ما يناسبني، كان التقليد بالنسبة لي تجربة صارت معرفة، المغني كان يقلد من سبقوه قبل أن يقدم أسلوبه الخاص ويحقق شهرته، حتى في كرة القدم حاول بعض اللاعبين في بداياتهم أن يقلدوا ركضة النجم الشهير أو حركات يديه، التقليد في البداية أمر مشروع، وخطوة أولى نحو ما هو أصلي وغير مقلد، إنني أدعو هنا إلى التجربة، وإن كانت مقلدة لأنها لن تبقى كذلك.