|


بدر السعيد
حتي إن كان عصر احتراف
2020-11-07
تستفزني بعض العبارات الشائعة والتي يستسلم أمامها معظم الناس وكأنها قانوناً حتمياً يضبط إيقاع علاقات البشر بعضهم ببعض.. أعني بذلك العبارات التي تداولتها المجالس ومنصات الإعلام وهي تستشهد بها، على اعتبار أنها واقع لا جدال فيه.. ومن ذلك الشائع المستفز تلك العبارة المتكررة “نحن في عصر احتراف”..
تلك العبارة أصبحت مع مرور الزمن بمثابة القاعدة التي أوهمت الناس أن “عصر الاحتراف” يعني عصر المال ولا غيره.. العصر الذي تحكمه الدولارات ومقدمات العقود وليس القيم والمشاعر الإنسانية.. العصر الذي ارتبط في أذهان بعضهم بالولاء التام للأموال وكأنها المحرك الأول والأخير في قرارات البشر..
أعود لطبيعة الاستفزاز ومصدره وهو التجاهل التام لمعنى الولاء والانتماء وتحجم أو إلغاء معاني الارتياح والجذب في البيئات الرياضية الصالحة المانحة المتفوقة في صنع الاستقرار الذهني والعاطفي، والرضا الداخلي عن النفس والمحيط..
حين يقولون “نحن في عصر الاحتراف” يلغون حتى النقاش في مسائل الخيارات البشرية التي يأتي في مقدمتها الاحترام والالتزام الذي لا يملك للمال وحده أن يحققه.. أولئك البشر نسوا أو تناسوا أن “عصر الاحتراف” لم يمنع كثيرًا من نجوم الرياضة من تجاهل الملايين من أجل الارتياح النفسي والعاطفي مقابل البقاء في ذات النادي أياً كانت المغريات “المادية”..
حين يقولون “نحن في عصر الاحتراف” فإنهم يلغون تأثير القرار الجماهيري تجاه نجم له في قلوبهم مساحة وفي أذهانهم خيام من العشق والذكريات.. الجماهير التي تستطيع أن تجعل من نجومها نماذج للوفاء والولاء..
حين يقولون “نحن في عصر الاحتراف” فإنهم يتناسون أن أموال الاحتراف هي أحد العصافير العشر التي على الشجرة مقابل “عصفور اليد” المتمثل في الإدارات الواعية الرصينة التي تصنع للنجوم بيئة من الثقة المتبادلة في حفظ الحقوق والواجبات والمسؤوليات..
حين يقولون “نحن في عصر الاحتراف” فإنهم يستخدمونها جازمين أن المال سيغير مسار انتقال نجم أو بقائه، وهم بذلك تجاوزوا حدود المنطق، إذ إن عقلياتهم المحكومة بالمال لم تعد تشاهد أو تعترف ببيئات العمل الجاذبة التي تحترم كل من يعيش فيها، فتجعل منه منتمياً بقلبه وجوارحه لدرجة لا يشاهد فيها مشهد المال بتلك الطريقة التي يشاهدها أصحاب مقولة “نحن في عصر الاحتراف”..
نعم “نحن في عصر الاحتراف” لكنه الاحتراف الذي يضمن حقوق الآخرين ويضبط تعاملاتهم، وليس العصر الذي يتحكم في القلوب والأمزجة وخيارات العقول وتفضيلاته التي لا تشترى بالمال..
دمتم أحبة.. تجمعكم الرياضة.. ويحتضنكم وطن..