|


أحمد الحامد⁩
مارادونا.. تظلّ عنده
2020-11-26
بالأمس نصحت صديقي ألا يخبر أحداً بالأخبار السيئة، ويكتفي بالأخبار المفرحة، لأن السيئة ستصل بطريقة ما، ولكي لا يرتبط اسمه بسوئها، قد أكون مخطئاً، لكنني لن أنسى بأنه هو من أخبرني برحيل مارادونا.
وهذه ستبقى ذكرى حزينة، وقعتها بدموع فاضت دون أن أتحكم فيها، دموع على شيء مني قد رحل، أحبه لأنه رفيقي الذي لم يخذلني يوماً، ولأنه انتصر لي في كل وقت كنت فيه على وشك الهزيمة، فلم يعتذر، ولم يبطئ في القدوم، ولم يمن عليّ بما أعطاني إياه من إلهام، أحبه لأنه كان صوتي في الوقت الذي كنت أعجز فيه عن الكلام، ولأنه كان يقول دائماً ما تخيلت أن أقوله، بل أكثر، ولأنه كان فعلي الذي حلمت به، ولأنه كان المعيار الأعلى الذي أقيس عليه، أحببته بكل ما فيه، بكل ما فيه تماماً، هذا العزيز الراحل كان الانتصار الدائم للبسطاء، وبلسماً للمجروحين، والمتعة المجانية الفائقة للذين لا يملكون ثمن تذاكر المتع، حملت معه كأس العالم في العام 1986، رفعت يديّ في الهواء مثلما فعل، وركضت في بيتنا الصغير مثلما ركض هو في الملعب والكأس في يده، وفي يدي، قفز.. فقفزت، واحتضن زملاءه فاحتضنت أخوتي، وفي نهائي العام 1990 بكى ألماً وحسرة فبكيت، كان أنا، وكنت هو، وكنتم أنتم هو وكان كلنا، أعلم بأن الرحيل المفاجئ للأساطير على قسوته يصنع النهاية المثالية، لأنها نهاية لا تنتهي، وتبقى كما الروايات المفتوحة، حيث تنتهي كلمات الرواية وتبقى الفكرة، والإلهام، في العام 1986 وبعد بطولة كأس العالم، كتب محمود درويش وهو ما نقلته من حساب بلاد الفضة على تويتر: “ماذا نفعل بعد أن عاد مارادونا إلى أهله في الأرجنتين؟ مع من سنسهر، بعدما اعتدنا أن نعلق طمأنينة القلب، وخوفه، على قدميه المعجزتين؟ وإلى من نأنس ونتحمس بعدما أدمناه شهراً تحولنا خلاله من مشاهدين إلى عشاق؟”، عندما أبلغني صديقي بوفاة مارادونا شعرت بأن علامة فارقة في الزمن قد حدثت، فاصل ما قبل وبعد، حاولت أن أعثر على أمل يكذب ما أخبرني به صديقي، لكن الحدث كان أكبر من أن يضيع ما بين إشاعة وحقيقة، كنت في حالة تشبه حالة ملايين المحبين لمارادونا، حالة كتبها فهد عافت “أرى الكلمة، ما أقربها!، لكنها لا تأتي ولا أصل لها، تظل عنده،.. تماماً مثلما كل من يحاول مُلاحقته وقطع الكُرة منه: يرى الكُرَة، ما أقربها!، لكنها لا تأتي ولا يصل إليها، تظلّ عنده!. وداعاً مارادونا”.