|


حسن عبد القادر
هل تعلمون ما فاتكم
2020-11-26
قال محمود درويش لمارادونا: “لن يجدوا دمًا في عروقك، وإنما وقود صواريخ”..
وقال عنه مؤلف أعظم كتاب في كرة القدم “في الشمس والظل” الأوروجوياني إدواردو غاليانو: “هذا المبدع لا يكرر ألعابه مطلقًا. إنه يخيط كرة القدم في رجليه وله عيون في أنحاء جسده وفنونه تلهب الحماس في الملاعب، إنه قادر على حسم المباراة بتوجيه رمية صاعقة وهو يدير ظهره للمرمى، أو بتقديم تمريرة مستحيلة وهو محاصر بآلاف الأقدام المعادية.
وليس هناك من يستطيع إيقافه حين ينطلق لمراوغة الخصوم.
في كرة القدم التي تطالب بالربح وتمنع المتعة كان هذا الرجل هو أحد القلة الذين أثبتوا أنه يمكن للخيال أن يكون فعالاً أيضًا”.. ولخص غاليانو حياة مارادونا مع أعدائه في كلمات بسيطة، ولكنها لخصت كل مشوار حياته بقوله. “إنه يقدم نفسه لأعدائه على طبق من ذهب”.
مارادونا الذي حاصرته الشهرة منذ أن بدأ ركل الكرة وكانت تطارده الكاميرات حتى باب منزله، كان يقول إنه المكان الوحيد الذي يجد فيه حريته هو الملعب.
حياة الشهرة التي عاشها مارادونا لم يتعامل معها بذكاء، وإنما كان يقدم الوجه القبيح لشخصيته خارج الملعب، كان يقدم نفسه لأعدائه على طبق من ذهب كما قال غاليانو.
وقع أسيرًا لنزواته وشهواته ومغامراته وتصريحاته، وبعد كل النجاحات التي حققها عندما كان لاعبًا، كان يقدم مثلها فشلاً عندما اعتزل.
ولكن يبقى مارادونا هو أفضل من لمس كرة القدم عبر التاريخ، وهو أول وآخر من يستطيع أن يحقق كأس عالم بمفرده مع قليل من المساعدة لبقية من شاركوه ارتداء شعار المنتخب في مونديال المكسيك.
مارادونا الذي استطاع أن ينتصر لفقراء الجنوب الإيطالي على شمالها الغني، عندما أنهى صيام نصف قرن لنادي الجنوب نابولي وأدخل خزائنه ألقابًا كانت قبل مجيئه مجرد حلم لن يتحقق، حتى إنهم كتبوا على قبور موتاهم قبل مجيء مارادونا: “هل تعلمون ما فاتكم”.. هذا الانتصار هو من جعل أبناء الجنوب الإيطالي يتقافزون فرحًا وهو يهز شباك منتخب بلادهم في مونديال الـ 86 الذي وضع فيه بصمته وشفرته الخاصة، وأقفل الباب على سر كيف يمكن أن تحقق كأس عالم بمفردك.
مات مارادونا ومات السحر.. هكذا عنون الزملاء في “الرياضية” صفحة التأبين في وداع الأسطورة، وهكذا قال كل من عرف كرة القدم معه.