|


طلال الحمود
مارادونا وحكايات عربية
2020-11-28
ودع العالم الأسبوع الماضي أسطورة كرة القدم الأرجنتينية دييغو أراماندو مارادونا، وسط حزن واشتباكات وقنابل مسيلة للدموع بالقرب من جثمانه في بيونس أيرس، في مشهد نادر الحدوث، جعل قنوات التلفزيون المتخصصة في السياسة والاقتصاد تقطع برامجها لمتابعة الخبر الذي سيطر على اهتمامات سكان الكرة الأرضية لثلاثة أيام.
ولأن العرب قوم تحركهم العاطفة ولا يحكمهم العقل، تحولت وفاة مارادونا إلى مناسبة لنسج الأساطير عن فضائل الراحل وكرم أخلاقه، في الوقوف إلى جانب قضايا الأمة العربية ضد قوى الظلم والطغيان، وامتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بصورة دييغو مع العلم الفلسطيني وعناقه لقيادات السلطة، مع أن الأسطورة كان يتردد على إسرائيل بصفة مستمرة في زيارات خاصة ومع منتخب بلاده الذي خاض أربع مباريات هناك، فضلاً عن تأييده التام لدولة إسرائيل وتعاطفه مع اليهود، ومشاركته في الطقوس الدينية أمام حائط المبكى.
الساحر الأرجنتيني بعد تجربته في دبي تعرف على كثير من شبان الإمارات الذين غيروا رأيه من الانحياز التام لإسرائيل، إلى التعاطف مع القضية الفلسطينية والدعوة إلى السلام، ولكن هذا لا يعني أن يتحول مارادونا إلى رجل ثوري لا هم له إلا زوال دولة إسرائيل، التي نعت اللاعب الأرجنتيني عن طريق رئيس الدولة ريفلين، ورئيس الوزراء نتنياهو بعدما وصفاه بـ”الصديق الحقيقي لإسرائيل”.
لم يقدم مارادونا نفسه كمناضل، ومع هذا يصر العرب على جعله ثائرًا على طريقة مواطنه تشي جيفارا وليس لاعب كرة قدم، لا يستطيع أن يفعل شيئاً في حياته باستثناء صنع الانتصارات في الملعب ومداعبة الكرة بمهارة، لم يأت أحد قبله ولا بعده بمثلها، وبخلاف هذه البراعة كان دييغو شخصية بوهيمية طغت على تصرفاته العبثية وعاش حياته بعدم مبالاة، لا تمت لأخلاق الرياضي الحقيقي بصلة، وهذه معلومة ليست جديدة ويعرفها أصدقاء مارادونا، خاصة أنه لم يحصل على الحد الأدنى من التعليم بسبب طفولته البائسة وظروفه الاجتماعية الصعبة.
لن نستغرب مستقبلاً أن تظهر معلومات جديدة في مواقع التواصل العربية عن إسلام مارادونا ونيته أداء فريضة الحج لولا جائحة كورونا، وربما توجه الاتهامات للوبي اليهودي في الأرجنتين بتأخير سيارة الإسعاف وتعمد تصفية المناضل دييغو الذي كان يخطط لغزو تل أبيب، وغيرها من القصص كما حدث بعد رحيل الأميرة ديانا سبنسر وعشيقها دودي الفايد، حين تفرغ العرب لنسج الحكايات والأساطير عن العاشقين وتأثير مقتلهما على مستقبل الأمة وقضاياها المصيرية.