|


فهد عافت
حين قال عبدالوهّاب للموجي: «في داهية»!
2020-12-12
- قبل أيّام كتبت عن “الغيرة الفنيّة”. بإمكان من يريد العودة للمقالة في روابط مقالات جريدة “الرياضيّة”. كان منبع الحديث عن ضرورتها، ومجراه عن أهمّيتها، ومصبّه عن طبيعتها الأخلاقية شرفًا ونزاهة!. مضى على نشر مقالة “الغيرة الفنيّة” قُرابة شهر. في هذا الشهر تجمّعتْ لديّ حكايات متفرّقة، تسمح بكتابة جزء ثان، منفصل متّصل. حكايات تطيب بكم دون شك، وأتمنّى أن تطيب لكم!.
- لا أملّ الاستماع إلى موسيقى وألحان محمد الموجي، تلك الموسيقى المُشعّة من قريب ومن بعيد بعاطفة صوفيّة ناثرة للعجائب!. لكنه اليوم يحضر، عبر تسجيل قديم، يتحدّث فيه عن أن الصوت يتعب ويضعف ويشيخ. بادره السائل: حتى صوت أم كلثوم؟! قال: نعم. زاد في السؤال: هل نشّزت أم كلثوم؟!. قال: لا، لكن، وكانت هذه الحكاية:...
- يحكي الموجي: يوم كبرت أم كلثوم في السّن، شاخ صوتها!. لم تنشّز!، لكن لم يعد صوتها قادرًا على الوصول إلى مقام “مرتفع” كانت تصل إليه بسهولة في يوم من الأيام!. عشتُ معها في ذلك تجربة، لم يُنقذني منها إلا الموسيقار محمد عبدالوهّاب!.
كنت ألحّن لأم كلثوم “اسأل روحك”،كنت متخيّل أم كلثوم التي تغنّي “غُلِبْت اصالح في روحي”، و”ريمٌ على القاع”، و”وُلِدَ الهُدى”، وما شابهها من الأغنيات التي كانت تصل فيها إلى “المقامات” العالية بسهولة. على هذا الأساس لحّنت “الكوبليه” الأخير بارتفاعات عالية!. أُذيعت الأغنيّة أول مرّة، وكنت أستمع لها في السيارة بصحبة صديق. أستمع وأريد أن “أخبط دماغي” في “تابلوه “طبلون” العربيّة “السيّارة”!. كنت “عصبي” جدًّا، لأنها لم تصل إلى “المقام” العالي!.
رجعت إلى البيت “متأزِّم” جدًّا، و”زعلان”!. في العاشرة صباحًا، رنّ التليفون، كان المتّصل الأستاذ عبدالوهّاب!. قال لي: “إيه؟!”. قلت له: “أنا عارف؟!!”. قال: “يا أستاذ فيه حَدّ يلحّن لأم كلثوم كأنك تلحّن لها في الأربعينات؟!.. انزل الطبقة “تون ونص” يا أستاذ”!. قلت: “يا أستاذ “تون ونص”؟! طبقة صغيرة”!. قال: “تون ونص”!. قلت: “ الآلات.. ح.. تبقى.. مهلهلة”!. قال: “في داهية”!.
استمعت لنصيحة الأستاذ، وأقيمت الحفلة بنفس الأغنية في الشهر التالي، ليلتها غنّت وقالت!.
في السابعة صباحًا، رنّ التلفون، وجاء صوت عبدالوهاب: “ها؟!.. غنّينا كويّس يا سِيدي؟!”. “شوف الرّاجل؟!.. كان حريص يقول لي ماذا أفعل، “ما فيش” لا حقد، ولا واحد خايف من واحد!...، ولاحظ قوله “غنّينا حلو؟!” وليس “غنّت حلو؟!”.
- حكاية أُخرى: في فيلم “موعد على العشاء” لمحمد خان، أصرّ أحمد زكي على الدخول في ثلّاجة الموتى فعلًا!، رغم أن المخرج لم يطلب منه ذلك، ورغم أن المشهد بالكامل لسعاد حسني، وكل ما على أحمد زكي فعله في المشهد هو أن يبدو ميتًا!.
بعد سنين سُئل أحمد زكي عن ذلك، ولماذا تحمّل الرائحة والبرودة، قال: كنت أريد لسعاد حسني أن تندمج، لأنها تستحق!. وهي كانت تقول لي دائمًا “انتَ ضُرِّتي في التمثيل”!. وقد اندمجت وتألّقت،.. المخرج والمصوّرين.. الجميع.. صفّقوا لها بإعجاب لدرجة أنهم نسوني في ثلّاجة الموتى فترة!.
- يضيف أحمد زكي قولًا آخر، بديعًا إلى أبعد حدّ: “آل باتشينو” له نسبة في أجري، و”جاك نيكلسون” له نفس النسبة، و”عادل إمام” له نسبة في أجري، و”نور الشريف” له نسبة في أجري!، و”يحيى الفخراني” و”محمود عبدالعزيز” وكل زملائي لهم نسبة في أجري!. لأنهم يستفزّون الفنّان بداخلي، وعندما يقومون بعمل جيّد، وأقول: “الله”!. أحس بنشاط!. تنشط أحاسيسي!، وأقول لنفسي: لا بد أن أعمل “حاجة” حلوة!. لكل هؤلاء أنا مَدِين!.
- بقيت حكاية في نفس المعنى بين عبدالحليم حافظ ومحمد رشدي!. لكن المساحة لم تعد تتّسع. نؤجلها، بإذن الله، لوقت آخر!. أمّا تعليق “رونالدو” بعد فوز فريقه الأخير على برشلونة، بخصوص منافسته الدائمة لـ”ميسّي”، فهو لا يزال طازجًا، وسيظل رائعًا، يُغذّي، ويُضيء، روح “الغيرة الفنيّة” بما تستحق من شموس الطّهر والشرف والنّزاهة!.