أحمد الحامد⁩
الحكمة.. والطبع
2020-12-18
في التراث العربي والعالمي مقولات وقصص وحِكم مفيدة، تكفي البشرية مليون عام مقبلة دون الحاجة إلى كتابة، أو ابتكار أي حِكم، أو أمثلة جديدة، أو أخذ أي اقتباسات من الروائيين، أو روَّاد الأعمال، أو حتى المساجين، لكنَّ الإنسان يحبُّ أن يجرب بنفسه، لذا تتكرَّر الأخطاء البشرية، وكأن الأيام منذ آدم وهي تعيد نفسها، وأعتقد أن الإنسان، وإن كان يعرف الخطأ والصواب، فإنه يرتكب أخطاءه بدوافع لا يستطع السيطرة عليها.
“الطمع قل ما جمع”، لا تنفع الطمَّاع، لأنه طمَّاع، ولأنه لا يستطيع أن يتخلص من هذه الصفة، أو يخفِّف منها على الأقل، أو لأنها هي التي انتصرت عليه. وهكذا، ومع حقيقة الفائدة من المثل، لكنه يبقى بلا فائدة للطمَّاع، وقد ينفع هذا المثل الأفراد غير الطمَّاعين، فإن تحرَّكت غريزة الطمع عندهم، وتذكَّروا، أو سمعوا هذا المثل، استطاعوا حينها لجم طمعهم، كونه صفةً غير أصيلة في دواخلهم.
“عصفور في اليد خير من عشرة على الشجرة”، مثل حكيم جدًّا، لكنه يصلح للعقلاء فقط، أما الذين صارت لديهم فرصةٌ للحصول على الشيء، وأضاعوه من أجل العصافير التي على الشجرة، فلم يكونوا عقلاء أبدًا، حينها على الأقل، لكنَّ غير العاقل لا يدرك أنه غير عاقل، حينها أو حتى دائمًا، وإلا لما أضاع عصفوره.
“من زرع حصد”، هذا المثل من أكثر الأمثال انتشارًا، لأننا نسمعه، ونكتبه منذ طفولتنا في سنوات المدرسة التلقينية، لكنَّ المثل ومع قيمته الممتازة والبديهية إلا أنه غير نافع نهائيًّا للذين لا يمتلكون قدرة الصبر، وهم الأكثرية، لذا لم يستفد منه إلا الصبورون بطبعهم، والخطاطون الذين يفضلون كتابة الأمثال الكلاسيكية.
“في التأني السلامة وفي العجلة الندامة”، بغض النظر عن وجود مثل نقيض لهذا المثل، تبقى العجلة من الطباع الأصيلة في بعض البشر، فهل يستطيعون تغييرها بمجرد أن يقرؤوا هذه الحكمة عشرات المرات؟ أعتقد أن الإنسان “العجول” بطبعه لن يخفِّف من عجلته إلا بعد أن يذوق آلامها. تتكرَّر مشاهد أخطاء الإنسان، لأنها غالبًا نابعة من صفة فيه، سواء في العجلة، أو الطمع، أو التبذير، أو في أي شيء آخر.
هل يعني هذا أن نضع كل أمثلتنا وحكمنا في درج المكتب ونقفل عليها للأبد؟ كلا، ولا أعرف ماذا نفعل بها، لكن لدي الكثير منها، وكلما اعتقدت بأنني تعلمتها، أكتشف عكس ذلك!