بعد كل مدة تتجمَّع في هاتفي مجموعة من الصور، منها ما أقوم بالتقاطه لما أقرأه، أو ما يصلني عبر رسائل “واتساب”، وعندما تكثر الصور وتمتلئ الذاكرة، أقوم بمسح بعضها، وأبقي على المحتوى الجديد، لأن الجديد لا يزال تأثيره عالقًا في نفسي.
أما المحتوى الأقدم فأقوم بمسحه، لأنه فقدَ تأثيره، أو زالت دهشته، فأفعل فيه كما يُفعل بصندوق العرس الذي وصفه، أو وصف نفسه فيه شاعرنا مظفر النواب بالقول:
مو حزن.. لكن حزين
مثل صندوق العرس
ينباع خردة عشق
من تمضي السنين
اليوم سأختار لكم بعض ما التقطه وما زال محتفظًا عندي بدهشته، قبل أن يتحوَّل إلى صندوق العرس. وعلى ذكر صندوق العرس لمَن لا يعرف قصته، هو الصندوق الذي تحضره العروس إلى بيتها الجديد واضعةً فيه أجدد وأثمن ثيابها، ويكون هذا الصندوق الجديد ذا قيمة كبيرة عندها، لكنه يفقد قيمته مع الزمن، حيث يَقْدَم، ثم يُنسى، مثله مثل الآمال والتوقعات والخيبات، فتقوم المرأة ببيعه بوصفه خردةً، أو خردة عشق، كما وصفه مظفر.
ليس هذا موضوعنا، لكنَّ الكلمات تجر بعضها، أو أن بعض المعاني تفتح موضوعات أخرى. ما رأيكم لو أنني تركت موضوع هاتفي وما فيه، وسألت عما تبقَّى لديكم من خردة؟
أنا لدي خردة من أُمنية، كانت مهمة بالنسبة لي، تشكَّلت هذه الأمنية بسبب كثرة أسفاري، وابتعادي عن أسرتي. كانت أمنيتي أن نجتمع مرة أخرى بصورة دائمة، هذه المرة في بيوت متجاورة، فكل واحد من إخوتي صارت لديه أسرته. هكذا عشت بهذه الأمنية مدةً من الزمن، مندفعًا لتحقيقها. مضت السنوات وشاهدت بنفسي كيف تفكَّكت أمنيتي كما تتفكك ورقة النقد الكبيرة إلى خردة. هذا بعض ما يفعله البعد والاغتراب طويلًا عن الوطن والأسرة. اليوم تحوَّلت أمنيتي إلى ذكرى، تشبه ذاك الصندوق، الفارق أنني لم أبعها كما يباع الصندوق، ما زلت محتفظًا بها على الرغم من علمي بصعوبة تحقيقها بوصفها واقعًا، لأن الإنسان عندما يبتعد لا يتغير شكله بسبب تقدمه في السن فقط، بل وبسبب تغيُّر أفكاره ورؤيته أيضًا. البعد مهما كانت غاياته له ضريبة، قد تكون أحيانًا أكثر من الأرباح، خاصةً إذا ما كانت الضريبة هي العيش بعيدًا عن الأهل والأحبة.
أما المحتوى الأقدم فأقوم بمسحه، لأنه فقدَ تأثيره، أو زالت دهشته، فأفعل فيه كما يُفعل بصندوق العرس الذي وصفه، أو وصف نفسه فيه شاعرنا مظفر النواب بالقول:
مو حزن.. لكن حزين
مثل صندوق العرس
ينباع خردة عشق
من تمضي السنين
اليوم سأختار لكم بعض ما التقطه وما زال محتفظًا عندي بدهشته، قبل أن يتحوَّل إلى صندوق العرس. وعلى ذكر صندوق العرس لمَن لا يعرف قصته، هو الصندوق الذي تحضره العروس إلى بيتها الجديد واضعةً فيه أجدد وأثمن ثيابها، ويكون هذا الصندوق الجديد ذا قيمة كبيرة عندها، لكنه يفقد قيمته مع الزمن، حيث يَقْدَم، ثم يُنسى، مثله مثل الآمال والتوقعات والخيبات، فتقوم المرأة ببيعه بوصفه خردةً، أو خردة عشق، كما وصفه مظفر.
ليس هذا موضوعنا، لكنَّ الكلمات تجر بعضها، أو أن بعض المعاني تفتح موضوعات أخرى. ما رأيكم لو أنني تركت موضوع هاتفي وما فيه، وسألت عما تبقَّى لديكم من خردة؟
أنا لدي خردة من أُمنية، كانت مهمة بالنسبة لي، تشكَّلت هذه الأمنية بسبب كثرة أسفاري، وابتعادي عن أسرتي. كانت أمنيتي أن نجتمع مرة أخرى بصورة دائمة، هذه المرة في بيوت متجاورة، فكل واحد من إخوتي صارت لديه أسرته. هكذا عشت بهذه الأمنية مدةً من الزمن، مندفعًا لتحقيقها. مضت السنوات وشاهدت بنفسي كيف تفكَّكت أمنيتي كما تتفكك ورقة النقد الكبيرة إلى خردة. هذا بعض ما يفعله البعد والاغتراب طويلًا عن الوطن والأسرة. اليوم تحوَّلت أمنيتي إلى ذكرى، تشبه ذاك الصندوق، الفارق أنني لم أبعها كما يباع الصندوق، ما زلت محتفظًا بها على الرغم من علمي بصعوبة تحقيقها بوصفها واقعًا، لأن الإنسان عندما يبتعد لا يتغير شكله بسبب تقدمه في السن فقط، بل وبسبب تغيُّر أفكاره ورؤيته أيضًا. البعد مهما كانت غاياته له ضريبة، قد تكون أحيانًا أكثر من الأرباح، خاصةً إذا ما كانت الضريبة هي العيش بعيدًا عن الأهل والأحبة.