أحمد الحامد⁩
الخطة B
2021-01-15
اختلفت الحياة التي اعتدنا عليها أنا وأبناء جيلي ومن يكبرنا، لقد صارت رقمية بدرجة كبيرة، وما يظهر لنا من تبدلات واضحة ما هو إلا رأس الجليد، أما الجبل فيصعد مع كل شهر درجة، في كل مراجعة لي في إحدى الجهات أو الدوائر والبنوك، أسمع من الموظفين نصائح بإنهاء ما أحتاجه من إجراءات عبر الإنترنت، وأنه لا داعي للقدوم إليهم لكي لا أضيع وقتي وجهدي، في الحقيقة هو أسلوب مهذب ومبطن لقولهم: لا تأت إلينا مرة أخرى.
قبل 20 عاماً كنت سيد البيت، العارف بالأمور والمسؤول عن كل شيء، أراجع الجهات الرسمية وأذهب للمدارس لتسجيل أبنائي وأذهب لدفع فواتير الكهرباء والماء، آخذهم في سيارتي إلى المراكز التجارية وأشتري لهم ما يحتاجونه، أتلقى منهم كلمات الشكر والامتنان، فأشعر بوجودي وأهميته، اليوم تغيرت الحياة، وصادف أنني واحد من الذين ولدوا في فترة توصف بالمتأخرة تقنياً، وعاصر تحولاً بسرعة الطائرة دون أن يجلس على مقعد من مقاعدها، أبدو متعلقاً على جناح من أجنحتها، منذ أعوام وأنا ألجأ لأبنائي لكي أدفع الفواتير عبر التطبيقات، ثم فهمت بأنهم حملوا عني هذه المسؤولية لكي يتخلصوا من الأسلوب الذي أتعامل فيه معهم أثناء خطوات تسديد الفواتير، فقدت حتى تلك المشاوير نصف الشهرية التي أذهب فيها مع أم أولادي لشراء ما نحتاجه من طعام، كانت رفقةً يتخللها المزاح والضحك، حتى هذا فقدته بعد أن صارت تشتري الأرز والأجبان والفواكه والخضراوات من المتاجر الإلكترونية، فقدت كلمات المديح والله يعطيك العافية..
اليوم وبسبب ضعفي التقني وكوني متعلقاً على جناح الطائرة، ألجأ لمن يجلس على مقاعدها، أطلب من ابني أن يحمّل لي “فيديو”، وأن يفتح لي حساباً على تطبيق اجتماعي، وأطلب من ابن آخر أن يكتب لي رسالة بالإنجليزي، أنظر إليهم وأستشف من يناسب للمهمة، أنتظر أحدهم حتى تنتهي المباراة التي يشاهدها، وأعود لآخر لكي ينتهي من مذاكرة دروسه، ثم أطلب ما أريد إنجازه، هل أبدو ثقيلاً عليهم؟ هل تعتقدون أن الأبناء يشعرون بذلك تجاه طلبات آبائهم؟ لا أدري، لم أكن أفعل ذلك مع والدي، هذا ما أذكره، ليس في كل الأحوال، خصوصاً إذا ما كنت أريد لعب الكرة.. من الأفضل ألا يعبروا لي عن ذلك، احتراماً لوجودي القديم معهم على أقل تقدير.
لا شيء يبقى على حاله، لكن التحول التقني جرى بسرعة وفي غفلة مني، كان عليّ أن أحجز مقعداً على متن الطائرة، سأحاول فعل ذلك فيما تبقى من الرحلة، سيكون هذا أفضل من سماع ضحكات أولادي المكتومة وأنا أشتعل غضباً بسبب فشل محاولتي لتنزيل الفيديو على الكمبيوتر، الخطة “B” أن أعيش في البر..