|




تركي السهلي
العرجون الأزرق
2021-01-17
ارتعدت فرائص الأزرق وامتلأ قلبه بالخوف بعد أن أصبح بين الأصفر وبينه تسع نقاط قبل نهاية القسم الأول من دوري كأس محمد بن سلمان للمحترفين. النصر هو رعب الهلال الدائم.
العالمي الكبير لم يكن يحسب حساب أحد، فقد كان مشغولاً بتطوير ذاته أكثر من المنافسة ودخل في صراع نفسي شديد للتخلّص من كل أوهانه حتى اهتدى أخيراً وبدأ في طرد الضعف عن جسده، ومسك أولى زهرات الحقل ولمسها بيده الجافةّ بفعل التربة وخشونة المنجل. تطرّى النصر وذاق جريان الماء في عروقه وابتسم له النبات لكنّ الحسابات ربما لن تؤدي إلى الحصاد في موعد تنظيف الأرض.
عودة المارد العاصميّ ليست مرتبطة بمرض “العريجاوي” ولا ترنّحه في وسط الطريق، لأن النصراوي كان ينثر بذوره وفي عينه حذر من طيور المزارع وساعته كانت مضبوطة على مناطق الشمس.
ارتعاشه الأطراف الزرقاء محسوسة الآن من الجميع وشيخوخته باتت واضحة للعيان وصوته الضعيف انطلق للتعبير عن وقوعه في مُنحدر. وأخذ يُنادي كُل المحيطين به لتخليصه من قسوة الزمن ناسياً ومتناسياً أن السباق يحتاج إلى خيول جاهزة، لا إلى حصان تقادم في السن وأصبح في حال عجز عن مجاراة الأمهار الصفراء.
سقط الهلال في دائرته هو ولم يُسقطه أمر، ولن يفعل ذلك أي مؤثر معه، وسيبادر بعضهم إلى إحيائه وإخراجه من اهتزازه ومساعدته على الوقوف. وهذا شأن قديم يلجأ له الأزرق كُلّما اتسع الفارق بين أقدامه وأنفاسه وأطرق في مكانه كالعرجون القديم. لا أحد يحب موت الأزرق لكن لا أحد يُرحّب بوجوده قاعداً بين النشيطين والطعام يصل فمه دون عناء،
وفي ظل صراع الفوز يتمسّك كُل أزرق بهلاله كما لو كان ذلك الذي لا يشقّ له غبار وهو الذي لم يعد يملك إلا الصارخين وسط المعركة والراقصين من حوله دونما اعتبار للمآسي المٌقبلة. يُريد الهلال أن يقول لأنصاره: توقفوا عن الغياب وتعالوا لنتشارك في طرد الخوف الساكن في الجوف المُسن. إن الخطوات الصفراء المسموعة الآتية نحو البيت الأزرق هي عذابه وهزيمته الكبرى في كُل مراحل التاريخ، لأنه يعلم أنه سيجثو لا محالة ولن يقوى على المجابهة، ومُحارِبه في الساحة لا قيمة للسلاح في يديه ولا مجال أمامه إلا رفع راية توقّف العمر. لا بندقية للأزرق الآن إلا واحدة في عهدة حارس متحف لن يمهله النهار في حشوها، وسيحلّ الليل عليه وهو يبحث عن فتيل.