|


فهد عافت
صغير أم طفل؟!
2021-01-25
- هناك “وسم” يظهر في تويتر، يتجدّد بين فترة وأُخرى: “#صورتك_وانت_صغير “!. لي مع هذا الوسم موقف!.
- قبل سنوات، كتبت فيه أو عنه: “أنا كنت طفل بس عمري ما كنت صغير”!. وفوجئت بردّ من الشيخ عادل الكلباني يتضمّن قول الله تعالى في كتابه الحكيم: “وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا”. أربكني حضور الشيخ الجليل، بدليله. تورّطت!، وحاولت اغلاق الموضوع، لكن!.
- رحتُ أبحث في القرآن الكريم، مُتتبّعًا كل آية وردت فيها كلمة “صغير” وكلمة “طفل”. ولقيتُ مُذهلات!.
- بالنسبة لمراحل عمر الإنسان، لم ترد كلمة “صغير” إلا مرّة واحدة: “وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا”. بينما تكررت كلمة “طفل” أكثر من مرّة، في أكثر من سورة كريمة: “وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا”. “هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا”. “وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا”. “أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ”.
- رحتُ أتدبّر الأمر من جديد، وأحاول استشفاف التفرّد بكلمة “صغير” ترد في آية واحدة، بينما ترد كلمة “طفل” في بقيّة الآيات؟!.
وهذا ما اهتديتُ إليه وفوق كل ذي علمٍ عليم:
- “صغير” وردت تكريمًا وتقديرًا وحفاوةً وتبجيلًا للأب والأمّ!، ودرسًا ومنهاجًا في الأدب عند الحديث معهما أو الحديث عنهما!. والحديث عنهما لمن؟! لله تعالى!.
- وردت وورّدَتْ وهي متّجهة إلى الله دعاءً لهما، قائلها كان وسيطًا بين أكرم الخلق وبين من أكرم الخلق!. في هذه الحالة فقط جاءت كلمة “صغيرًا”، لأنّ هذا مكانها!. أنا، وأنت وكل إنسان، صغير جدًّا في هذا الموضع: المكان حدّد المكانة!.
- وأمّا في غير هذا الاستثناء الرّبّاني العظيم، فإن كلمة “طفل” هي الأولى والأحقّ بالحضور!.
- رحتُ أبحث عن مشتقّات كلمة “صغير”، فلقيتها إما حسابًا أو عقابًا!.
في الحساب ترد كما هي: “وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ”. “لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا”. “وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ”. “وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَىٰ أَجَلِهِ”. “وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ”.
وفي العقاب يُشتَقّ منها الصّاغر والصَّغار، مثل: “فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ”. “سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ”. “وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ”.
- وعليه، نعم: إن كنت تخاطب ربّك فتَعَزَّز بالتذلل له، وتذكر واذكر أنك “صغير”، وكذلك إن كنت تتحدث إلى أبويك أو عنهما. تأمّل ولاحظ أنه حتى في سورة يوسف، كيف تتحقق الرؤيا بسجود أهله له مع فارق شاسع، حيث مكانة الأبوين فارقة: “وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا”. لك أن تستشفّ وترتشف من “وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ “ أطيب الدّلالات والمعاني، وأغلب ظني أن السجود هنا سجود معنويّ، خاصةً بالنسبة للأبوين، لأنّ يعقوب عليه السلام نبي من أنبياء الله لا يمكن له بأي حالٍ من الأحوال السجود لغير الله.
- حتى فرعون حين خاطب موسى عليه السلام : “قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا”، ولم يقل: صغيرًا!. كما يمكن لنا تتبّع كلمة ولد ومولود وأولاد في آيات كثيرة، دون وجود لكلمة “صغير”، مثل: “وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ”. “وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ”. لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ”.
- لقد كانت كلمة “صغيرًا” استثناءَ تعبّدٍ لله وتكريم للأبوين، ولم ترد في القرآن الكريم إلا في موضعٍ جَمَعَ الأمرين معًا!. فيما عدا ذلك فإن كلمة “طفل” أحقّ وأرقّ وأدقّ!.
والله أعلم.