|


أحمد الحامد⁩
مهرجان النصائح
2021-01-29
قبل تسعة أشهر، وفي عزلة كورونا، كان لدي الوقت الكافي لمراجعة النفس، توصلت إلى حقيقة أنني مقصر في حق بعض الزملاء القدامى ممن زاملتهم في مرحلة ما، عاتبت نفسي وتساءلت: بأي حق لم أتواصل معهم طوال السنوات الماضية؟ لماذا لم أكلف نفسي ولو بالاتصال هاتفياً بهم؟ بعد أشهر وبعد تخفيف قيود كورونا.
اتصلت بهم والتقيت بمن سمحت ظروفه، الزميل الأول وبعد خمس دقائق من لقائنا بدأ بتوجيه نصائحه نحوي طوال نصف ساعة، ختم حديثه بأنه محب، الزميل الثاني راح طوال ساعة ونصف يوجهني وأنا في هذا السن كيف أدير شؤون عملي، وكيف أحسن تربية أطفالي، الزميل الثالث اتجه في نصائحه لي اتجاهاً اقتصادياً، الزميل الرابع منعه سفره من أن نلتقي وجهاً لوجه، لكنه وجه لي هاتفياً “كوكتيلاً” من النصائح المتنوعة، منها الاقتصاد الشخصي والعلاقات العامة والصحة النفسية، بعد هذه النصائح من الزملاء ظهر عندي تساؤل لم يفارقني طوال أيام: لهذه الدرجة أنا سيئ وبحاجة إلى كل هذه النصائح؟ لم أستطع الإجابة واحتجت إلى مساعدة شخص قريب لكي يصارحني، ذهبت إلى أخي الأصغر وطرحت عليه السؤال التالي: هل يرى الناس فيَّ ما لا أعرفه عن نفسي؟ هل لا أعرف كيف أدير شؤون حياتي للدرجة التي قدم فيها كل من التقيتهم أطناناً من النصائح؟ حاول أن يخفف الأمر وقال: ليس إلى هذه الدرجة، ثم راح هو الآخر يوجه لي النصائح وركز في أهمية الإدارة السليمة للموارد المالية.. عندما نطق الإدارة المالية تذكرت المبالغ التي صرفها على ملابسه التي لم يلبس نصفها لغاية الآن.
الظاهر أن الموضة المتوفرة في فترتنا الحالية هي تقديم النصائح، للدرجة التي يقرأ ويستمع فيها الواحد منا عشرات النصائح كل يوم، من خلال تويتر والإنستجرام واليوتيوب والواتساب، أو من أحد الزملاء أو الأصدقاء ممن حصلوا على نوم كاف ولديه طاقة ورغبة في الكلام، فيحول الحديث العابر إلى نصائح يوجهها إليك، كما أن المحتوى الرئيسي عند بعض المشاهير صار تقديم النصائح لمتابعيهم، بعيداً عن تخصصاتهم التي عرفناها عليهم، العجيب أن واحداً ممن أعرفهم، وهو من أسياد التشاؤم والإحباط، صار ممن يقدمون النصائح أيضاً طلباً لزيادة الشهرة والانتشار وكسب شرائح جديدة، وأتذكر أنني وبعد أن شاهدت إحدى نصائحه تحدثت معه عبر الهاتف، كان حينها في حالة إحباط للدرجة التي قال: والله ما أدري شسوي بنفسي بهالدنيا..