|


أحمد الحامد⁩
صلاح مخارش
2021-02-12
تحدثت مع صلاح مخارش في الأسبوعين الماضيين مرتين، الأولى ونحن نتفق على موعد نلتقي فيه بعد أيام، والثانية بعدما أوقفت موجة كورونا الثانية السفر ودخل صلاح المستشفى، طمأنني على صحة قلبه، كان كعادته يأخذ الأمور “سهالات”، فلم أجد الخوف في صوته، ولا التذمر مما يمر فيه، متفائلاً مثلما عرفته طوال 27 عاماً. حتى الرسائل الصوتية التي أرسلها لي من على سرير المستشفى لم تخلُ من ضحكاته.
صلاح كان واحداً ممن شاركوا في إعداد الكثير من حلقات برنامج ليلة خميس على إذاعة إم بي سي إف إم على مدى سنوات، بالإضافة للأسماء الكبيرة مثل يحيى مفرح زريقان وعلى فقندش، ولا أنسى جابر القرني ومحمد السهلي وأصايل نجد، وكان ارتباطي بصلاح أكثر من ارتباط عمل، لأننا كنا رفاق بعض في كل الفترات التي كنت أقضيها في جدة، وفي تلك الفترات تحديدًا عرفت صلاح عن قرب، الهادئ والمسالم، والمشاكس بذكاء وود، الخلوق والطيب والكريم والمتفائل، وشاهدته كيف كان يخدم مهنته ويحاول أن يدفع بالأسماء الفنية الشابة للأمام، رغم أنهم حينها لم يكونوا أسماءً معروفة، ولا يحققون له أي سبق صحفي، لكنه كان يمارس مهنته من أجل المهنة وبشعوره بالمسؤولية تجاه الحركة الفنية، ولم يمنعه الاهتمام بالشباب من إجراء اللقاءات المهمة مع النجوم وكتابة المانشيتات الكبيرة، كان يعيش مهنته، وأعطى وقته لها كمحب، ولم يعتبرها يوماً وظيفة وأداء واجب، أو حبًّا يأتي في المرتبة الثانية أو الثالثة، وهذا ما أعطاه الطاقة المستمرة. لم أجد صلاح غاضباً في يوم ما، حتى تلك اللحظات القليلة التي كان يتذمر فيها، سرعان ما تنقلب إلى ضحكات يستعيد فيها طبيعته التي عرفت عنه. كان خبر رحيله صادماً ومؤلماً لكل الذين عرفوا صلاح عن قرب، لذلك امتلأت حسابات تويتر بصوره وبالكتابة عنه، محبة الناس هي أفضل ما يتركه الإنسان ودليل حسن سيرته. منذ أن رحل صلاح وأنا أسترجع الذكريات معه، جاءت كما السيل الهادئ، وأحضرت معها حتى الأماكن التي اعتقدت بأنني نسيتها، قرأت ما كتبه الملحن ناصر الصالح وهو يستعيد إحدى ذكرياته مع صلاح، وتوضح هذه الذكرى بعض عبقرية صلاح الفنية وقوة قلمه، كتب ناصر: “جيت من مصر على جدة وقابلته في بيت البريكان الله يرحمه، وقلت لصلاح بسمعك أغنية، قول إيش رأيك لأني أثق في ذائقتك كأول شخص يسمع الأماكن”، سمعها وكتب لي ورقة أحتفظ بها إلى الآن: “الأماكن تعيد ترتيب الأماكن في الأغنية العربية، رحمك الله يا صلاح مخارش”.