|


أحمد الحامد⁩
دردشة في الشُهرة
2021-02-19
الشهرة مغرية، والدخول في عالمها له طعم يصعب الاستغناء عنه، لأنها بوابة كبيرة للعالم، والناس تهتم بالمشهور حتى لو كان بلا موهبة حقيقية، ولا تهتم بغير المشهور حتى لو كان بموهبة فذة، إلا نادراً.
وقد تكشف لنا قصص الذين حصلوا على الشهرة المتأخرة عن هذا الأمر كثيراً، في دبي اتصل بي أحد الشعراء الذين اشتركوا في برنامج شعر شهير، كان شاعرنا في الأربعينيات من عمره، كتب خلالها مئات القصائد، لكنه لم يحظ بالشهرة، حتى دارت كاميرات التصوير وخلال عدة حلقات وعدة قصائد صار واحداً من المشاهير، مازلت أتذكر كيف كان ينظر إلى هاتفه وهو يضغط زر من أزراره لكي يجعله صامتاً، ويتخلص من تكرار صوت المكالمات الواردة التي لم تتوقف، نظر في عيني وهو يقبض على هاتفه وقال تحديداً: “أنا محد كان يسلم علي قبل البرنامج”.. في تلك الجلسة أسمعني قصائد أجمل من تلك التي ألقاها في البرنامج، سبق وكتبها في سنوات ماضية، حتى أنا لو كان قد أسمعني إياها قبل شهرته لما تفاعلت معها مثلما فعلت بعد حصوله على الشهرة، لكنه وبعد سنوات قليلة وللأسف، ضعفت شهرته، بل تلاشى بريقه لأنه ابتعد عن الأضواء، ولعدم معرفته في كيفية إبقاء نفسه تحت الضوء دائماً، قبل عدة أشهر جاءني صوته عبر الهاتف حزيناً ومحبطاً، حاول أن يشرح حالته لكنه تشتت في التعبير، اختصرت عليه قائلا: “محد صار يسلم عليك”؟ فقد شاعرنا شهرته، رغم قوة وعذوبة قصائده، جاءه الحظ كما كان يتمنى، لكنه لم يدرك أن الحظ يحتاج إلى اهتمام ومعرفة، لأن استمرار الشهرة أشبه بالصناعة، أو بالتسويق الناجح للمنتج، بغض النظر عن جودته أو رداءته للأسف.
في منتصف التسعينيات، وفي برنامج ليلة خميس، وجه زميلي الراحل سعود الدوسري سؤالاً لأحد الفنانين المصريين الشباب، عن سبب غنائه للأغاني ذات الرتم السريع، والطبقات الصوتية العالية فقط، بينما هناك ألوان مختلفة من الغناء ومنها الأغاني الهادئة، أجابه المغني بأنه الآن في مرحلة جذب الانتباه للحصول على الشهرة، ثم أضاف: “أنا دلوقتي زي ما أكون بسوق الخضرة، وكل بياع بيبيع حاجة معينة، إزاي الناس حتلتفت لي وتشوف اللي عندي لو ما كنش صوتي عالي”؟ ثم أكمل حديثه وقال: “لما أتشهر كويس حبقى أغني الأغاني اللي بحبها واللي انت بتحبها وحيحبوها الناس”.. لم يعجبنا رده حينها، لكنني تفهمته بعد سنوات، وعرفت أن الناس تتقبل بل تعجب بأغاني المشهور لأنه مشهور، بينما قد لا تقتنع بمواهب كبيرة قد تكون موجودة في حارتهم، فقط لأنها غير مشهورة.