أحمد الحامد⁩
الاعتقاد الأخير
2021-02-26
يدفع الإنسان ضريبة أفكاره إن لم تكن واقعية، حتى وإن كانت بنوايا طيبة، كنت أعتقد بأن جميع الناس طيبون، أما خلافاتهم ومشاكلهم ومآسيهم فبسبب سوء الفهم فيما بينهم لا أكثر، لكنني اكتشفت بأن في هذا العالم من يزيد شره على خيره، ومن يزيد خيره على شره، وهكذا انقسم الناس بين الجيد وبين السيئ.
جاء فهمي متأخراً ومعه تغيرت نظرتي للكثير من أفكاري الكبيرة والصغيرة، في أول الشباب كنت أعتقد بأن لدى العرب كل الروابط والإمكانيات لنهضتهم وقوتهم، وكنت أرى في الاتحاد الأوروبي مثالاً عظيمًا في ذلك، إلى أن شاهدت العربي يحتل أرض أخيه العربي، ويتآمر مع غير العربي ضد أخيه العربي، فأدركت أن ما كنت أعتقده مجرد تفكير ساذج، وعلمت أن هذا التعاون بالطريقة التي تمنيتها يصعب تنفيذه وبعيد عن الواقع، ثم تمنيت لكل بلد عربي منفرداً أن يعيش برخاء وهناء واستقرار، لكنني اكتشفت أن هذا التمني ساذج هو الآخر بعد أن رأيت عدة دول عربية تعيش حروبها الأهلية، وبدلاً من إيجاد تعليم متميز أوجدت أحزاباً، سرعان ما دخلت في صراعاتها للوصول إلى السلطة، فصارت الدولة عدة دول وإن كانت في حدود دولة واحدة، هكذا سقطت بعض الأفكار الكبيرة من عقلي، لذلك كان من الأفضل لعقلي أن يهتم بالأفكار التي على “قدي”، وأن أفضل شيء يفعله الإنسان هو الاهتمام بنفسه وشؤونه، أدركت أن المال يلعب دوراً كبيراً في حياة الإنسان، ويمكنه من تنفيذ كل أفكاره الطيبة، لذلك خضت غمار التجارة وإن كان على شكل محدود وصغير جداً، لكنني اكتشفت أنني بعيد جداً عن مواهب التجار، ابتلعت خسائري واقتنعت بأن أهتم بمهنتي التي اعتدت عليها، وأن أعطيها محبتي وشغفي، لذلك سعيت لتقديم برامج تلفزيونية متميزة أدرتها في خيالي طويلاً، وكتبتها على الورق بعناية، لكنني اكتشفت أن الأمر ليس بهذه السهولة، وأن البرامج تخضع لأمزجة ملّاك القنوات وللسوق والإعلان، قررت أن أهتم بالبرنامج الذي أقدمه في الإذاعة، سعيت أن أقدم فيه المعلومة والفائدة بطريقة ودية وعفوية، لكنني تلقيت اتصالاً قبل عشرة أيام من مدير البرامج يبلغني بأن أدائي غير حماسي، وأنني غير منسجم مع فكرة البرنامج الشبابي، فهمت ما يقصده، فأنا أرى نفسي بالمرآة كل يوم وأشاهد تقدمي في العمر، تبقت عندي محاولة أخيرة لاعتقاد أخير، أن يكون هذا المقال صالح للنشر. إن لم يكن كذلك، لدي “بطانية” سميكة، وجسد متعب وعقل مرهق.