أحمد الحامد⁩
عندما نظلم الجَمال
2021-02-27
أقسى الأخطاء التي نرتكبها عندما يكون في حياتنا شخص طيب دائماً وهادئ دائماً، أننا قد “نمون” عليه جداً، للدرجة التي نقلل فيها من تقديره.
لا نتذكره إلا في حاجتنا، ولا ندري عن حاجته، لا نقدر فضائله حق تقديرها، ولا نفكر في فعل ما يزيد محبتنا في قلبه، يسأل عنا في غيابنا، ولا نسأل عنه في غيابه، نطالبه بحقوقنا ونتغافل عن حقوقه، عذرنا الفاشل أنه طيب و “حبيب”، والحقيقة أنه ليس طيباً فقط، بل مأمون الجانب، وهذا ما جعلنا نتغافل عنه، لأننا نعلم بأنه لن يحاسبنا على شيء جاء على حساب حقوقه..
يظن بعضنا أن شخصية الطيب دائماً والهادئ دائماً هي شخصية ضعيفة، وهذا سوء كبير في التقدير، لأن من لديه مثل هذه الصفات لديه قوة كبيرة في التحمل، وبحر من نقاء السريرة، وكرم في الأخلاق لا حدود له، وطيبة شملت كل قسوتنا وسوء فهمنا، غالباً هناك مثل هذه الشخصية في حياة كل واحد منا، أعرف واحداً منهم، ومن خلاله رأيت الطيبة على حقيقتها، لأنها طيبة متصلة، لا يقطعها مزاج سيئ ولا حسابات مصالح، ومن خلاله رأيت الكرم على حقيقته، لأنه وعلى ظروفه المادية العادية كان يعطي ما في جيبه، دون تدقيق في حاجة السائل، ودون مطالبة فيما أعطى، ودون طلب لسمعة أو مديح، في ذلك اللقاء الذي جمعني به صدفة في إحدى المناسبات، وكنا نجلس في مكان يبعد عن الآخرين بحيث لا يسمعون حديثنا، أمسكت بيده وسألته: “ليش انت دايماً طيب وكريم”؟ نظر نحوي مبتسماً وسألني: هل تعتقد فعلاً بأنني بهذه الصفات؟ لم أستغرب سؤاله، لأنه يعيش على طبيعته الطيبة ولم يتصنعها، ويظن بأنها من مسلمات الحياة، ومع أن اعتقاده هو الصحيح وهو الذي يجب أن نكون جميعاً عليه، إلا أنه لا يرى في صفاته هذه أي تميز على غيره، لأنه يظن بأن كل من حوله بهذه الصفات، وإن لم تظهر على بعضهم ، قد تكون ظروفهم منعتهم من ذلك، أو أي سبب آخر.
من الظلم لأنفسنا ولعقولنا أولاً ألا نُشعر الطيبين بفضلهم، ألا نعطيهم مكانتهم التي يستحقونها في قلوبنا، وألا نبلغهم بالأثر الرائع الذي صنعوه في حياتنا، مثل هؤلاء لن يتغيروا إذا لم ننصفهم، فهذه طبيعتهم، وهذه معادنهم التي لا تصدأ، لكننا حينها لن نكون منصفين، ولم نعطِ الجمال حقه، وهذا سوء تقدير منا.