أحمد الحامد⁩
التقنية.. وجه آخر
2021-03-26
نحن محظوظون لأن التقنية تقدمت بصورة كبيرة، سهّلت علينا الوسائل واختصرت الوقت، منذ 20 عاماً تخليت عن الدفتر الصغير الذي دونت فيه أرقام الهواتف أعواماً طويلة، كنت أحمله كما أحمل محفظتي، وعندما ظهرت الهواتف الحديثة تخليت عنه للأبد، حتى نسيت أنني كنت أدون الأرقام بدفتر صغير.
ولأن التقنية صارت سلعة تجارية، صار التنافس فيها شديداً بين الشركات، وبدلاً من وجود هاتف وكمبيوتر وتلفزيون وألعاب الكترونية ومكتبة وخرائط وألبومات الصور والبريد، صارت جميعها في هاتف جوال بحجم راحة اليد، لذلك صار الهاتف الجوال رفيق درب الإنسان ومؤنسه ودليل طريقه ومكتبته وصحفه وألبوم صوره وصور عائلته، لكنْ لهذا الرفيق عيب كبير رغم كل ميزاته، وهو أنه رفيق صامت، فإن نسيته في مكان ما لا يناديك لكي تصحبه معك، وإذا ما فقدته لا يبحث عنك، فتبقى في رحمة وأمانة من يجده، لأنك عندما تفقده لا تفقد جهاز هاتف تستطيع أن تشتري غيره، بل تفقد صورك وبريدك وكل الأرقام التي سجلتها وكل ما دونته وكتبته. عندما نسيت هاتفي على مقعد الباص قبل أربعة أعوام، شعرت بأنني انقطعت عن العالم كله، فقدت كل الأرقام التي دونتها خلال سنوات، وفقدت الصور التي التقطتها في لحظات ثمينة، حينها تذكرت دفتر الأرقام الذي تخليت عنه، وألبومات الصور التي لم أعد اشتريتها كما كنت أفعل في السابق، تخيلتهم وكأنهم يعاتبونني على نسياني لهم، ويذكرونني بوفائهم رغم بساطتهم، ثم بدأت الرحلة من جديد بجهاز جديد وبحذر شديد يجعلني أبحث في جيوبي عند كل مرة أخرج فيها إلى مكان، لكي أتأكد من وجود هذا الرفيق الذي يعاقبك على نسيانه.
في الصيف الماضي قرأت على ورقة معلقة على شجرة كلمات آلمتني، ونبهتني للحالة التي أصبحنا عليها، كيف وثقنا وسلمنا لشاشة قد تنطفئ للأبد، أو قد نفقدها في أي لحظة، كانت الورقة إشارة لإبقاء بعض ما تخلينا عنه، لا يمكن أن نتجاوز أو نتخلى عن الورق بهذه السرعة، أما الكلمات التي كانت على الورقة فهي لشخص فقد هاتفه، أما كلماته فكانت وكأنها لشخص يبحث عن نفسه لا عن هاتفه الذي فقده: “أرجوك ساعدني.. لقد فقد هاتفي.. أرجو أن تعيده لي إذا ما وجدته، لأن فيه كل حياتي”.