|


أحمد الحامد⁩
الموهبة وحدها لا تكفي
2021-04-25
مقال اليوم أثاره تعليق كتبه مخرج ومنتج الرسوم المتحركة “مالك نجر” كان يرد فيه على تعليق آخر طرحه أحد المغردين عن أسباب نجاح الأشخاص الأقل موهبة ويرجع سببه إلى الانضباط، علّق مالك “الشغف والموهبة عناصر ممتازة للنجاح، لكن ما منهم أي فايدة إذا ما كان معهم عنصر ثالث يحركهم: اللي هو الانضباط”.
جاء تعليق مالك نجر موافقاً تماماً لما أعتقده، ولما فسرت فيه سبب ما فشلت فيه أنا مع وجود الأفكار الجيدة، وقد يشترك معي البعض من الذين لم ينضبطوا في تنفيذ أفكارهم ومشاريعهم. معظم ما أسمعه أو أقرأه من رسائل توجيهية تحث على إخراج الطاقة الكامنة في الإنسان وتنمية الموهبة، معظمه صحيح، لكنه لا يركز أو يتناسى أن استخراج الطاقة أو الاهتمام بالموهبة دون الإبقاء عليها مشتعلة بشكل دائم أمر لا نتيجة منه طالما أنه مؤقت وغير مستمر.
كل ما حولنا من إبداعات فردية بشتى المجالات لا تقف خلفها الموهبة فقط، بل في انضباط هذه الموهبة، منذ سنوات وأنا أعتقد بأن ما يبدو مستحيلاً بالإمكان تحقيقه، على أن يكون واقعياً، وعلى أن تكون هناك مثابرة دائمة في العمل والتنفيذ نحو الهدف، لم تعد تدهشني المواهب الشابة التي أشاهدها خصوصاً تلك التي جاءت موهبتها رزق من عند الله، الصوت الجميل وقوة الحفظ والذاكرة وبراعة لعب كرة القدم جميعها أرزاق، ما يدهشني ويثير إعجابي هو انضباط ومثابرة هذه المواهب في العمل الدائم على تطوير وتقديم ما لديها، لأن في هذه الانضباطية والمثابرة الطاقة لهذه المواهب، ولولا قوة وطاقة الانتظام والمثابرة لما كان لهذه المواهب أي ظهور جيد أو تأثير مهم، لذلك عندما أتعرف على موهبة أحاول أن أتعرف على انضباط هذه الموهبة، وإن لم أجد هذا الانضباط فإنني أعتبرها موهبة ضائعة وفي طريقها إلى التلاشي. في نفس الوقت ينجح الإنسان الذي تكون موهبته هي انضباطه، بينما يفشل الموهوب الذي علّته في عدم انضباطه.
في المدرسة كنت وزميلي في الفصل ممن لديهم موهبة الخط، كان المدرس يعتمد علينا نحن الاثنين في كتابة اللوحات أو العناوين، كنا أولاداً وكانت موهبتنا تحتاج إلى رعاية وإلى تعلم أنواع الخطوط وقواعدها، ما فعله زميلي أنه انضبط في تنمية موهبته من خلال الدورات والتعرف على لوحات الفنانين طوال سنوات، استمر في ذلك حتى صار خطاطاً، ثم ثابر في كتابة لوحاته حتى صارت مصدراً من مصادر دخله، كان يستحق نجاحه ودفع مقابله من تعبه ووقته وانضباطه. أما أنا فلم أحصل إلا على خط جيد لأنني لم أكن منضبطاً عندما بدأت في تطوير موهبتي. في الشركات هناك موظفون أصحاب مواهب عالية في التفكير لكن نجاحهم في الوصول إلى المراتب الأعلى يحكمه مدى انضباطهم في أوقات عملهم وأدائهم وحتى سلوكهم، لذلك غادرت الكثير من العقول مواقعها المناسبة لعدم انضباطها وليس لانعدام موهبتها أو معرفتها.