|


أحمد الحامد⁩
الاحترام والمال
2021-05-05
الإنسان يريد أن يشعر باحترامه دائماً، أن يُخاطب باحترام، أن يتم التعامل معه بكل تهذيب، وعندما لا يجد ذلك في موقف معين تثور ثائرته ويغضب، وقد يَشتم لمجرد أن المقابل أنقص قيمته، أو لم يخاطبه بالأسلوب الذي يليق بإنسانيته، على هذه المحاور يختار الإنسان أصدقاءه الذين يشعرونه بتقديره، ويغادرهم عندما يجد نقصاً واضحاً في ذلك، ويتواجد في الأماكن التي تحترمه، ويغادرها حتى إن تواجد فيها أقرب الناس إليه إن شعر بعدم احترامه، على ذلك أيضاً يستمر الأزواج في مسيرة زواجهم، وينفصلان عندما يُنقص أحدهما احترام الآخر.
لا أود أن أتحدث عن المال هنا، لكنني أجده فارضاً نفسه، فالمال عملاق في الحضور وسحري الحلول، غالباً ما يستخدمه من يمتلكه في شراء الكثير من الأشياء ومنها الاحترام والتقدير في الأماكن التي تقدمهما مقابل المال، لماذا نجلس في مقهى أنيق عالي الخدمة، أو في بهو فندق وإن ارتفعت ثمن فاتورته؟ سنجد أننا نُعامل بكل أهمية وتقدير، بينما نترك المقهى الذي لا يهتم بطلباتنا ولا بتقديرنا مهما انخفضت فاتورته.
يستطيع صاحب المال هنا أن يتحكم باختياراته، بينما يبقى الذي لا يملكه في خيارات محدودة جداً وقد لا تكون لديه أية خيارات، ذكرت المقاهي كمثال عام، وكيف تبدو قوة المال الذي تدافع فيه بعض الأوقات عن إنسانيتك، قبل أيام انتهيت من قراءة رواية “القوقعة” للروائي مصطفى خليفة، صدرت طبعتها الأولى العام 2008، توقفت عند صفحة من صفحاتها طويلاً، صفحة أعتبرها واقعية جداً، وقد يتفهم محتواها كل من “دعكته” ظروفه المادية وسلبته احترامه في المواقف التي يغنيك عنها المال، وقد تكون كلماتها دافعاً للهروب من ضيق الحال للذين يعانون منه، بإشعال الطاقة التي في دواخلهم لتنويع مصادر دخلهم، وبالعمل مهما صغر، لأنه سيكون في كل الأحوال أكبر من اللاشيء.
“كان لي صديق من بلدي يدرس في فرنسا، يصل إليه من أهله بداية كل شهر مبلغ من المال يكفيه حتى نهاية الشهر، وهذا الصديق بدلاً من أن يبرمج مصروفه ويقسمه على ثلاثين يوماً، كان يدعوني إلى سهرة واحدة في فندق فخم أو في مطعم مشهور، وكانت هذه السهرة تكلّفه نحو نصف مصروفه، لذلك كان في الأيّام العشرة الأخيرة من الشهر يستدين مني ومن الأصدقاء حتى يأكل. سألته: لماذا تصرف هذه النقود كلّها على سهرة واحدة، ولا يبقي معك في الثلث الأخير من الشهر فلس واحد؟ أجاب: إنني في هذه السهرة التي أقيمها مرة في الشهر، أشعر بأنني إنسان! إن هؤلاء الذين يعملون في فنادق أو مطاعم كهذه مدرّبون جيداً كي يشعروك بأنك إنسان، كلامهم.. طريقة خدمتهم لك.. هيئتهم، هذه الأشياء كلها تجعلك تحسّ بأنك إنسان محترم، أنا يا صديقي في جوع حقيقي كي أشعر باحترام الآخرين، لا يهم أن أجوع بضعة أيام كل شهر، لكن الشعور بأنني إنسان يكفيني لمدة شهر”.